ثم حكى ما ذكره موسى في دفع شر فرعون وهو العوذ بالله. وفي تصدير الجملة بأن دلالة على أن الطريق المعتبر في دفع الآفات الاستغاثة والاستعاذة برب الأرض والسموات. وفي قوله ﴿ بربي ﴾ إشارة إلى أن الذي رباني وإلى درجات الخير رقاني سيعصمني من شر هذا المارد الجاني. وفي قوله ﴿ وربكم ﴾ احتراز عن أن يظن ظانّ أنه يريد به فرعون لأنه رباه في صغره ﴿ ألم نربك فينا وليدا ﴾ [ الشعراء : ١٨ ] وفيه بعث لقوم موسى على أن يقتدوا به في الاستعاذة فإن اجتماع النفوس له تأثير قوي. وفي قوله ﴿ من كل متكبر ﴾ أي متكبر عن قبول الحق على سبيل العموم فائدتان : إحداهما شمول الدعاء فيدخل فيه فرعون بالتبعية. والثانية أن فرعون رباه في الصغر فلعله راعى حسن الأدب في عدم تعيينه. وأما وصف المتكبر بقوله ﴿ لا يؤمن بيوم الحساب ﴾ فلأن الموجب لإيذاء الناس أمران : أحدهما قسوة القلب. والثاني عدم اعتقاد بالجزاء والحساب. ولا ريب أنه إذا اجتمع الأمران كان الخطب أفظع لاجتماع المقتضى وارتفاع المانع. ثم شرع في قصة مؤمن آل فرعون. والأصح أنه كان قبطياً ابن عم لفرعون آمن بموسى سراً واسمه سمعان أبو حبيب أو خربيل. وقيل : كان إسرائيلياً. وزيف بأن المؤمنين من بني إسرائيل لو يعتلوا ولم يعزوا لقوله ﴿ اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه ﴾ فما الوجه في تخصيصه؟ ولقائل أن يقول : الوجه تخصيصه بالوعظ والنصيحة إلا أن قوله :﴿ فمن ينصرنا من بأس الله ﴾ وقوله ﴿ يا قوم ﴾ على رأس كل نصيحة يغلب على الظن أن يتنصح لقومه. ومعنى ﴿ أن يقول ﴾ لأجل قوله أو وقت أن يقول كأنه قال منكراً عليهم أترتكبون الفعلة الشنعاء وهي قتل نفس محرمة أي نفس كانت لأجل كلمة حقة وهي قوله ﴿ ربى الله ﴾ والدليل على حقيتها إظهار الخوارق والمعجزات. وفي قوله ﴿ من ربكم ﴾ استدراج لهم إلى الاعتراف بالله. ثم احتج عليهم بالتقسيم العقلي أنه لا يخلو من أن يكون كاذباً أو صادقاً. على الأول يعود وبال كذبه