وخطأه جار الله وكثير من أهل العربية وقالوا : إنه أراد ببعض النفوس فقط. ثم أكد حقية أمر موسى بقوله ﴿ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾ وقد هداه الله إلى المعجزات الباهرة فهو إذن ليس بمتجاوز عن حدّ الاعتدال ولا بكذاب. وقيل : إنه كلام مستأنف من الله عز وجل، وفيه تعريض بأن فرعون مسرف في عزمه على قاتل موسى كذاب في ادّعاء الإلهية فلا يهديه الله إلى شيء من خيرات الدارين ويزيل ملكه ويدفع شره، وقد يلوح من هذه النصيحة وما يتلوها من المواعظ أن مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه إلى أن قصدوا قتل موسى وعند ذلك أظهر الإيمان وترك التقية مجاهداً في سبيل الله بلسانه. ثم ذكرهم نعمة الله عليهم وخوّفهم زوالها بقوله ﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض ﴾ أي غالبين على أرض مصر ومن فيها من بني إسرائيل والقبط ﴿ فمن ينصرنا من بأس الله ﴾ من يخلصنا من عذابه ﴿ إن جاءنا ﴾ وذلك لشؤم تكذيب نبيه ﴿ قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى ﴾ أي ما أشير عليكم برأي إلا بما أرى من قبله ﴿ وما أهديكم ﴾ بهذا الرأي ﴿ إلا سبيل الرشاد ﴾ وصلاح الدين والدنيا، أو ما أعلمكم من الصواب ولا أسر خلاف ما أظهر. قال جار الله : وقد كذب فقد كان مستشعراً للخوف الشديد من جهة موسى ولكنه كان يتجلد. وحكى أبو الليث أن الرشاد اسم من أسماء أصنامه. قوله ﴿ مثل دأب ﴾ قال جار الله صاحب الكشاف : لا بد من حذف مضاف أي مثل جزاء دأبهم وهو عادتهم المستمرة في الكفر والتكذيب. ثم قال : إنه عطف بيان للأوّل لأن آخر ما تناولته الإضافة قوم نوح. ولو قلت أهلك الله الأحزاب قوم نوح وعاد وثمود لم يكن إلا عطف بين لإضافة قوم إلى أعلام فسرى ذلك الحكم إلى أوّل المضافات. قلت : لا بأس من جعله بدلاً كما مرّ. وقوله ﴿ وما الله يريد ظلماً للعباد ﴾ أبلغ من قوله ﴿ وما ربك بظلام للعبيد ﴾ [ فصلت : ٤٦ ] لأن نفي الإرادة آكد من نفي الفعل ولتنكير الظلم في سياق النفي. وفيه أن تدميرهم


الصفحة التالية
Icon