ولما كانت الحياة تروق وتحلو بالنصرة وتتكدر بضدها، ذكرها لذلك ولئلا يتوهم لو سقطت أن نصرتهم تكون رتبتها دنية فقال :﴿في الحياة الدنيا﴾ بالزامهم طريق الهدى الكفيلة بكل فوز وبالحجة والغلبة، وإن غلبوا في بعض الأحيان فإن العاقبة تكون لهم، ولو بأن يقيض سبحانه لأعدائهم من يقتض ولو بعد حين، وأقل ذلك أن لا يتمكن أعداؤهم من كل ما يرون منهم ﴿ويوم يقوم الأشهاد﴾ أي في الدار الآخرة من الملائكة والنبيين وسائر المقربين، جمع شهيد كشريف وأشراف، إشارة إلى أن شهادتهم بليغة في بابها، لما لهم من الحضور التام، وإلى ذلك يشير تذكير الفعل والتعبير بجمع القلة، ولكن الجياد قليل مع أنهم بالنسبة إلى أهل الموقف كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وإنما عبر بذلك إشارة إلى أهل الحكم بصفات الجبروت للقسط، فيرفع أولياءه بكل اعتبار، ويهين أعداءهم كل إهانة.
ولما وصف اليوم الآخر بما لا يفهمه كثير من الناس، أتبعه ما أوضحه على وجه بين نصره لهم غاية البيان، فقال مبدلاً مما قبله :﴿يوم لا ينفع الظالمين﴾ الذين كانوا عريقين في وضع الأشياء في غير مواضعها ﴿معذرتهم﴾ أي اعتذارهم وزمانه ومكانه - بما أشار إليه كون المصدر ميمياً ولو جل - بما أشار إليه قراءة التذكير للفعل فعلم بذلك أنهم لا يجدون دفاعاً بغير الاعتذار وأنه غير نافعهم لأنهم لا يعتذرون إلا بالكذب ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ [ الأنعام : ٢٣ ] أو بالقدر ﴿ربنا غلبت علينا شقوتنا﴾ [ المؤمون : ١٠٦ ] ﴿ولهم﴾ أي خاصة ﴿اللعنة﴾ أي البعد عن كل خير، مع الإهانة بكل ضير ﴿ولهم﴾ أي خاصة ﴿سوء الدار﴾ وهي النار الحاوية لكل سوء - هذا مع ما يتقدمها من المواقف الصعبة، وإذا كان هذا لهم فما ظنك بما هو عليهم، وقد علم من هذا أن لأعدائهم - وهم الرسل وأتباعهم - الكرامة والرحمة ولهم قبول الاعتذار وحسن الدار، فظهرت بذلك أعلام النصرة، وصح ما أخبر به من تمام القدرة.