فصل


قال الفخر :
﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (٥١) ﴾
اعلم أن في كيفية النظم وجوهاً الأول : أنه تعالى لما ذكر وقاية الله موسى صلوات الله عليه وذلك المؤمن من مكر فرعون بين في هذه الآية أنه ينصر رسله والذين آمنوا معه والثاني : لما بين من قبل ما يقع بين أهل النار من التخاصم وأنهم عند الفزع إلى خزنة جهنم يقولون ﴿أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات﴾ [ غافر : ٥٠ ] أتبع ذلك بذكر الرسل وأنه ينصرهم في الدنيا والآخرة والثالث : وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله ﴿مَا يجادل فِى ءايات الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِى البلاد﴾ [ غافر : ٤ ] وامتد الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبداً كانوا مشغولين بدفع كيد المبطلين، وكل ذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول ﷺ وتصبيراً له على تحمل أذى قومه.
ولما بلغ الكلام في تقرير المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى رسوله ﷺ بأن ينصره على أعدائه في الحياة الدنيا وفي الآخرة فقال :﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين ءامَنُواْ﴾ الآية، أما في الدنيا فهو المراد بقوله ﴿في الحياة الدنيا﴾، وأما في الآخرة فهو المراد بقوله ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد﴾ فحاصل الكلام أنه تعالى وعد بأنه ينصر الأنبياء والرسل، وينصر الذين ينصرونهم نصرة يظهر أثرها في الدنيا وفي الآخرة.


الصفحة التالية
Icon