واعلم أن مجامع الطاعات محصورة في قسمين التوبة عما لا ينبغي، والاشتغال بما ينبغي، والأول مقدم على الثاني بحسب الرتبة الذاتية فوجب أن يكون مقدماً عليه في الذكر، أما التوبة عما لا ينبغي فهو قوله ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾ والطاعنون في عصمة الأنبياء عليهم السلام يتمسكون به ونحن نحمله على التوبة عن ترك الأولى والأفضل، أو على ما كان قد صدر عنهم قبل النبوة، وقيل أيضاً المقصود منه محض التعبد كما في قوله ﴿رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ [ آل عمران : ١٩٤ ] فإن إيتاء ذلك الشيء واجب ثم إنه أمرنا بطلبه، وكقوله ﴿رَبّ احكم بالحق﴾ [ الأنبياء : ١١٢ ] من أنا نعلم أنه لا يحكم إلا بالحق، وقيل إضافة المصدر إلى الفاعل والمفعول فقوله ﴿واستغفر لِذَنبِكَ﴾ من باب إضافة المصدر إلى المفعول أي واستغفر لذنب أمتك في حقك، وأما الاشتغال بما ينبغي فهو قوله ﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ بالعشى والإبكار﴾ والتسبيح عبارة عن تنزيه الله عن كل ما لا يليق به، والعشي والإبكار، قيل صلاة العصر وصلاة الفجر، وقيل الإبكار، عبارة عن أول النهار إلى النصف، والعشي عبارة عن النصف إلى آخر النهار، فيدخل فيه كل الأوقات، وقيل المراد طرفا النهار، كما قال :﴿وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار﴾ [ هود : ١١٤ ] وبالجملة فالمراد منه الأمر بالمواظبة على ذكر الله، وأن لا يفتر اللسان عنه، وأن لا يغفل القلب عنه، حتى يصير الإنسان بهذا السبب داخلاً في زمرة الملائكة، كما قال في وصفهم ﴿يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ﴾ [ الأنبياء : ٢٠ ]، والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٧ صـ ٦٦ ـ ٦٨﴾


الصفحة التالية
Icon