وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) ﴾
بدأ المؤمن بذكر المتسبب عن دعوتهم، وأبدى التفاضل بينهما.
ولما ذكر المسببين، ذكر سببهما، وهو دعاؤهم إلى الكفر والشرك، ودعاؤه إياهم إلى الإيمان والتوحيد.
وأتى بصيغة العزيز، وهو الذي لا نظير له، والغالب الذي العالم كلهم في قبضته يتصرف فيهم كما يشاء، الغفار لذنوب من رجع إليه وآمن به، وأوصل سبب دعائهم بمسببه، وهو الكفر والنار، وأخر سبب مسببه ليكون افتتاح كلامه واختتامه بما يدعو إلى الخير.
وبدأ أولاً بجملة اسمية، وهو استفهام المتضمن التعجب من حالتهم، وختم أيضاً بجملة اسمية ليكون أبلغ في توكيد الأخبار.
وجاء في حقهم ﴿ وتدعونني ﴾ بالجملة الفعلية التي لا تقتضي توكيداً، إذ دعوتهم باطلة لا ثبوت لها، فتؤكد.
و﴿ ما ليس ي به علم ﴾ هي الأوثان، أي لم يتعلق به علمي، إذ ليس لها مدخل في الألوهية ولا لفرعون.
قال الزمخشري : فإن قلت : لم جاء بالواو في النداء الثالث دون الثاني؟ قلت : لأن الثاني داخل في كلام هو بيان للمجمل وتفسير له، فأعطى الداخل عليه حكمه في امتناع دخول الواو، وأما الثالث فداخل على كلام ليس بتلك المثابة. انتهى.
وتقدم الكلام على لا جرم.
وقال الزمخشري هنا، وروي عن العرب : لا جرم أنه يفعل بضم الجيم وسكون الراء، يريد لا بد، وفعل وفعل أخوان، كرشد ورشد، وعدم وعدم.
﴿ أنما ﴾ : أي أن الذي تدعونني إليه، أي إلى عبادته، ﴿ ليس له دعوة ﴾، أي قدر وحق يجب أن يدعى إليه، أو ليس له دعوة إلى نفسه، لأن الجماد لا يدعو، والمعبود بالحق يدعو العباد إلى طاعته، ثم يدعو العباد إليها إظهاراً لدعوة ربهم.