ثم قال :﴿إِنَّ الله بَصِيرٌ بالعباد﴾ أي عالم بأحوالهم وبمقادير حاجاتهم، وتمسك أصحابنا بقوله تعالى :﴿وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى الله﴾ على أن الكل من الله، وقالوا إن المعتزلة الذين قالوا إن الخير والشر يحصل بقدرتهم قد فوضوا أمر أنفسهم إليهم وما فوضوها إلى الله، والمعتزلة تمسكوا بهذه الآية فقالوا إن قوله ﴿أفوض﴾ اعتراف بكونه فاعلاً مستقلاً بالفعل، والمباحث المذكورة في قوله أعوذ بالله عائدة بتمامها في هذا الموضع.
وههنا آخر كلام مؤمن آل فرعون، والله الهادي.
فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥)
اعلم أنه تعالى لما بيّن أن ذلك الرجل لم يقصر في تقرير الدين الحق، وفي الذب عنه فالله تعالى رد عنه كيد الكافرين وقصد القاصدين، وقوله تعالى :﴿فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ﴾ يدل على أنه لما صرّح بتقرير الحق فقد قصدوه بنوع من أنواع السوء، قال مقاتل لما ذكر هذه الكلمات قصدوا قتله فهرب منهم إلى الجبل فطلبوه فلم يقدروا عليه، وقيل المراد بقوله ﴿فَوقَاهُ الله سَيّئَاتِ مَا مَكَرُواْ﴾ أنهم قصدوا إدخاله في الكفر وصرفه عن الإسلام فوقاه الله عن ذلك إلا أن الأول أولى لأن قوله بعد ذلك ﴿وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ سُوء العذاب﴾ لا يليق إلا بالوجه الأول، وقوله تعالى :﴿وَحَاقَ بِئَالِ فِرْعَوْنَ﴾ أي أحاط بهم ﴿سُوء العذاب﴾ أي غرقوا في البحر، وقيل بل المراد منه النار المذكورة في قوله ﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾ قال الزجاج ﴿النار﴾ بدل من قوله ﴿سُوء العذاب﴾ قال : وجائز أيضاً أن تكون مرتفعة على إضمار تفسير ﴿سُوء العذاب﴾ كأن قائلاً قال : ما سوء العذاب ؟ فقيل :﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾.
قرأ حمزة ﴿حاق﴾ بكسر الحاء وكذلك في كل القرآن والباقون بالفتح أما قوله ﴿النار يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :