هذا المعبر بين قصة موسى عليه السلام وموضوع السورة قبلها يذكر المجادلين في آيات الله من مشركي العرب بعبرة التاريخ قبلهم ؛ ويوجههم إلى السير إلى الأرض، ورؤية مصارع الغابرين، الذين وقفوا موقفهم. وكانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض. ولكنهم مع هذه القوة والعمارة كانوا ضعافاً أمام بأس الله. وكانت ذنوبهم تعزلهم عن مصدر القوة الحقيقية، وتستعدي عليهم قوى الإيمان ومعها قوة الله العزيز القهار :﴿ فأخذهم الله بذنوبهم. وما كان لهم من الله من واق ﴾.. ولا واقي إلا الإيمان والعمل الصالح والوقوف في جبهة الإيمان والحق والصلاح. فأما التكذيب بالرسل وبالبينات فنهايته إلى الدمار والنكال :
﴿ ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات، فكفروا، فأخذهم الله، إنه قوي شديد العقاب ﴾..
وبعد هذه الإشارة الكلية المجملة يبدأ في عرض نموذج من نماذج الذين كانوا من قبلهم، وكانوا أشد منهم قوة وآثاراً في الأرض. فأخذهم الله بذنوبهم. وهم فرعون وقارون وهامان. ومن معهم من المتجبرين الطغاة.
وتنقسم هذه الحلقة من قصة موسى عليه السلام إلى مواقف ومناظر، تبدأ من موقف عرض الرسالة على فرعون وملئه. وتنتهي هنالك في الآخرة، وهم يتحاجون في النار. وهي رحلة مديدة. ولكن السياق يختار " لقطات " معينة من هذه الرحلة، هي التي تؤدي الغرض من هذه الحلقة في هذه السورة بالذات :
﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين، إلى فرعون وهامان وقارون، فقالوا : ساحر كذاب ﴾.
هذا هو موقف اللقاء الأول. موسى ومعه آيات الله، ومعه الهيبة المستمدة من الحق الذي بيده. وفرعون وهامان وقارون. ومعهم باطلهم الزائف وقوتهم الظاهرة ومركزهم الذي يخافون عليه من مواجهة الحق ذي السلطان.. عندئذ لجأوا إلى الجدال بالباطل ليدحضوا به الحق :﴿ فقالوا : ساحر كذاب ﴾..