وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ ويا قوم مَا لي أَدْعُوكُمْ إِلَى النجاة ﴾
أي إلى طريق الإيمان الموصل إلى الجنان ﴿ وتدعونني إِلَى النار ﴾ بيّن أن ما قال فرعون من قوله :﴿ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد ﴾ سبيل الغيّ عاقبته النار وكانوا دعوه إلى اتباعه ؛ ولهذا قال :﴿ تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بالله وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ﴾ وهو فرعون ﴿ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى العزيز الغفار ﴾.
﴿ لاَ جَرَمَ ﴾ تقدّم الكلام فيه.
ومعناه حقاً.
﴿ أَنَّمَا تدعونني إِلَيْهِ ﴾ "مَا" بمعنى الذي ﴿ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ ﴾ قال الزجاج : ليس له استجابة دعوة تنفع ؛ وقال غيره : ليس له دعوة توجب له الألوهية ﴿ فِي الدنيا وَلاَ فِي الآخرة ﴾.
وقال الكلبي : ليس له شفاعة في الدنيا ولا في الآخرة.
وكان فرعون أوّلاً يدعو الناس إلى عبادة الأصنام، ثم دعاهم إلى عبادة البقر، فكانت تُعبَد ما كانت شابة، فإذا هَرِمت أمر بذبحها، ثم دعا بأخرى لتعبد، ثم لما طال عليه الزمان قال أنا ربكم الأعلى.
﴿ وَأَنَّ المسرفين هُمْ أَصْحَابُ النار ﴾ قال قتادة وابن سيرين : يعني المشركين.
وقال مجاهد والشعبي : هم السفهاء والسفاكون للدماء بغير حقّها.
وقال عِكرمة : الجبارون والمتكبّرون.
وقيل : هم الذين تعدوا حدود الله.
وهذا جامع لما ذكر.
و"أَنَّ" في المواضع في موضع نصب بإسقاط حرف الجر.
وعلى ما حكاه سيبويه عن الخليل من أن "لاَ جَرَمَ" رد لكلام يجوز أن يكون موضع "أَنَّ" رفعاً على تقدير وجب أن ما تدعونني إليه، كأنه قال : وجب بطلان ما تدعونني إليه، والمردّ إلى الله، وكون المسرفين هم أصحاب النار.
قوله تعالى :﴿ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُمْ ﴾ تهديد ووعيد.
و"ما" يجوز أن تكون بمعنى الذي أي الذي أقوله لكم.
ويجوز أن تكون مصدرية أي فستذكرون قولي لكم إذا حلّ بكم العذاب.


الصفحة التالية
Icon