إنه يبدأ بتفظيع ما هم مقدمون عليه :﴿ أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله ﴾.. فهل هذه الكلمة البريئة المتعلقة باعتقاد قلب، واقتناع نفس، تستحق القتل، ويرد عليها بإزهاق روح؟ إنها في هذه الصورة فعلة منكرة بشعة ظاهرة القبح والبشاعة.
ثم يخطو بهم خطوة أخرى. فالذي يقول هذه الكلمة البريئة :﴿ ربي الله ﴾.. يقولها ومعه حجته، وفي يده برهانه :﴿ وقد جاءكم بالبينات من ربكم ﴾.. يشير إلى تلك الآيات التي عرضها موسى عليه السلام ورأوها، وهم فيما بينهم وبعيداً عن الجماهير يصعب أن يماروا فيها!
ثم يفرض لهم أسوأ الفروض ؛ ويقف معهم موقف المنصف أمام القضية ؛ تمشياً مع أقصى فرض يمكن أن يتخذوه :﴿ وإن يك كاذباً فعليه كذبه ﴾.. وهو يحمل تبعة عمله، ويلقى جزاءه، ويحتمل جريرته. وليس هذا بمسوغ لهم أن يقتلوه على أية حال!
وهناك الاحتمال الآخر، وهو أن يكون صادقاً. فيحسن الاحتياط لهذا الاحتمال، وعدم التعرض لنتائجه :﴿ وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾.. وإصابتهم ببعض الذي يعدهم هو كذلك أقل احتمال في القضية، فهو لا يطلب إليهم أكثر منه. وهذا منتهى الإنصاف في الجدل والإفحام.
ثم يهددهم من طرف خفي، وهو يقول كلاماً ينطبق على موسى كما ينطبق عليهم :﴿ إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ﴾.. فإذا كان موسى فإن الله لا يهديه ولا يوفقه، فدعوه له يلاقي منه جزاءه. واحذروا أن تكونوا أنتم الذين تكذبون على موسى وربه وتسرفون، فيصيبكم هذا المآل!
وحين يصل بهم إلى فعل الله بمن هو مسرف كذاب، يهجم عليهم مخوفاً بعقاب الله، محذراً من بأسه الذي لا ينجيهم منه ما هم فيه من ملك وسلطان، مذكراً إياهم بهذه النعمة التي تستحق الشكران لا الكفران :
﴿ يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض. فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا؟ ﴾..


الصفحة التالية
Icon