﴿ ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات، فما زلتم في شك مما جاءكم به، حتى إذا هلك قلتم : لن يبعث الله من بعده رسولاً. كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب. الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم. كبر مقتاً عند الله وعند الذين آمنوا. كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾..
وهذه هي المرة الوحيدة في القرآن التي يشار فيها إلى رسالة يوسف عليه السلام للقوم في مصر. وقد عرفنا من سورة يوسف، أنه كان قد وصل إلى أن يكون على خزائن الأرض، المتصرف فيها. وأنه أصبح " عزيز مصر " وهو لقب قد يكون لكبير وزراء مصر. وفي السورة كذلك ما قد يؤخذ منه أنه جلس على عرش مصر وإن لم يكن ذلك مؤكداً وذلك قوله :
﴿ ورفع أبويه على العرش وخروا له سجداً وقال : يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقاً ﴾ وقد يكون العرش الذي رفع عليه أبويه شيئاً آخر غير عرش المملكة المصرية الفرعونية. وعلى أية حال فقد وصل يوسف إلى مكان الحكم والسلطان. ومن ثم نملك أن نتصور الحالة التي يشير إليها الرجل المؤمن. حالة شكهم فيما جاءهم به يوسف من قبل، مع مصانعة يوسف صاحب السلطان وعدم الجهر بتكذيبه وهو في هذا المكان! ﴿ حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً ﴾.. وكأنما استراحوا لموته، فراحوا يظهرون ارتياحهم في هذه الصورة، ورغبتهم عما جاءهم به من التوحيد الخالص، الذي يبدو مما تكلم به في سجنه مع صاحبي السجن :﴿ أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ﴾ فزعموا أن لن يجيئهم من بعده رسول، لأن هذه كانت رغبتهم.
وكثيراً ما يرغب المرء في شيء ثم يصدق تحققه، لأن تحققه يلبي هذه الرغبة!
والرجل المؤمن يشتد هنا وهو يشير إلى هذا الارتياب والإسراف في التكذيب فيقول :
﴿ كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب ﴾..
فينذرهم بإضلال الله الذي ينتظر كل مسرف مرتاب في عقيدته وقد جاءته معها البينات.