ولكن خزنة جهنم لا يستجيبون لهذه الضراعة البائسة الذليلة الملهوفة. فهم يعرفون الأصول. ويعرفون سنة الله، ويعرفون أن الأوان قد فات. وهم لهذا يزيدون المعذبين عذاباً بتأنيبهم وتذكيرهم بسبب هذا العذاب :
﴿ قالوا : أو لم تك تأتيكم بالبينات؟.. قالوا : بلى ﴾.
وفي السؤال وفي جوابه ما يغني عن كل حوار.
وعندئذ نفض الخزنة أيديهم منهم، وأسلموهم إلى اليأس مع السخرية والاستهتار :
﴿ قالوا : فادعوا ﴾..
إن كان الدعاء يغير من حالكم شيئاً، فتولوا أنتم الدعاء.
وتعقب الآية قبل تمامها على هذا الدعاء :
﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾..
لا يبلغ. ولا يصل. ولا ينتهي إلى جواب. إنما هو الإهمال والازدراء للكبراء والضعفاء سواء.
عند هذا الموقف الحاسم يجيء التعقيب الأخير على الحلقة كلها، وعلى ما تقدمها من الإشارة إلى الأحزاب التي تعرضت لبأس الله، بعد التكذيب والاستكبار.
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم، ولهم اللعنة ولهم سوء الدار. ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب. فاصبر إن وعد الله حق. واستغفر لذنبك، وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار ﴾..
هذا التعقيب الجازم، يناسب ذلك الموقف الحاسم. ولقد اطلعت منه البشرية على مثل من نهاية الحق والباطل. نهايتهما في هذه الأرض ونهايتهما كذلك في الآخرة. ورأت كيف كان مصير فرعون وملئه في الحياة الدنيا، كما رأوهم يتحاجون في النار، وينتهون إلى إهمال وصغار. وذلك هو الشأن في كل قضية كما يقرر القرآن :
﴿ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ﴾..