ولهذا كانت آيات الله المتلوّة والمشهودةُ ذكرى ؛ كما قال فى المتلوّة :﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾، وقال فى القرآن :﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾، وقال فى الآية المشهودة :﴿أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ﴾ فالتَّبصرة آية البصر، والتَّذكرة آية القلب.
وفرقٌ بينهما.
وجُعِلا لأَهل الإِنابة ؛ لأَنه إِذا أَناب إِلى الله أَبصر مواقع الآيات والعِبَر، فاستدلَّ بها على ما هى آيات له، فزال عنه الاعتراضُ بالإِنابة، والعمى بالتبصرة، والغفلةُ بالتَّذكر ؛ لأَنَّ التبصّرة توجب له حصول صورة المدلول فى القلب، بعد غفلته عنها.
فترتَّبت المنازل الثلاثة أَحسن ترتيب.
ثمّ إِنَّ
كلاَّ منها يمدّ صاحبها، ويقوّيه، ويثمره.
وقال - تعالى - فى آياته المشهودة :﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً فَنَقَّبُواْ فِي الْبِلاَدِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾.
والنَّاس ثلاثة : رجل قلبه مَيّت، فذلك الَّذى لا قلب له : فهذا ليست هذه الآية تذكرة فى حقِّه.
ورجل حَىّ مستَعِدّ، لكنَّه غير مستمِع للآيات المتلوّة، التى تُجزئه عن الآيات المشهودة : إِمّا لعدم ورودها، أَو لوصولها إِليه، ولكن قلبه مشغول عنها بغيره.
فهو غائب القلب، ليس حاضرا.
فهذا أَيضاً لا يحصل له الذكرى، مع استعداده، ووجود قلبه.