ولما ختم ذلك أيضاً بأمر الساعة، زاد في الدلالة عليه وعلى الفعل بالاختيار والحكمة التي لا يسوغ معها إهمال الخلق من غير حساب، في دار ثواب وعقاب، بعد الإتقان لدار العمل بالخطإ والصواب، فقال معللاً مفتتحاً بالاسم الأعظم الذي لا يتخيل أن المسمى به يهمل المتكبرين عليه مع الإبلاغ في الإحسان إليهم ﴿الله﴾ أي المحيط بصفات الكمال ﴿الذي جعل لكم﴾ لا غيره ﴿الّيل﴾ أي مظلماً ﴿لتسكنوا فيه﴾ راحة ظاهرية بالنوم الذي هو الموت الأصغر، وراحة حقيقية بالعبادة التي هي الحياة الدائمة ﴿والنهار مبصراً﴾ لتنتشروا فيه باليقظة التي هي إحياء في المعنى، فالآية من الاحتباك : حذف الظلام أولاً لكونه ليس من النعم المقصودة في أنفسها لما دل عليه من الإبصار الذي هو المقصود من نعمة الضياء المقصود في نفسه، وحذف الانتشار لأنه بعض ما ينشأ عن نعمة الإبصار لما دل عليه من السكون الذي هو المقصود الأعظم من الليل : للراحة لمن أرادها، والعبادة لمن اعتمدها واستزادها.
ولما كان بعض الكفرة ينسب الأفعال كما مضى للطبائع ويجعلها بغير اختيار، قال مستأنفاً أو معللاً مؤكداً :﴿إن الله﴾ أي ذا الجلال والإكرام ﴿لذو الفضل﴾ أي عظيم جداً باختياره ﴿على الناس﴾ أي كافة باختلاف الليل والنهار وما يحتويان عليه من المنافع.


الصفحة التالية
Icon