اعلم أنه تعالى لما بيّن أن القوم بالقيامة حق وصدق، وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله تعالى، لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمات، ولما كان أشرف أنواع الطاعات الدعاء والتضرع، لا جرم أمر الله تعالى به في هذه الآية فقال :﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ واختلف الناس في المراد بقوله ﴿ادعونى﴾ فقيل إنه الأمر بالدعاء، وقيل إنه الأمر بالعبادة، بدليل أنه قال بعده ﴿الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى﴾ ولولا أن الأمر بالدعاء أمر بمطلق العبادة لما بقي لقوله ﴿إِنَّ الذين يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى﴾ معنى، وأيضاً الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن كقوله ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا﴾ [ النساء : ١١٧ ] وأجيب عنه بأن الدعاء هو اعتراف بالعبودية والذلة والمسكنة، فكأنه قيل إن تارك الدعاء إنما تركه لأجل أن يستكبر عن إظهار العبودية وأجيب عن قوله إن الدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن، بأن ترك الظاهرة لا يصار إليه إلا بدليل منفصل، فإن قيل كيف قال :﴿ادعونى استجب لَكُمْ﴾ وقد يدعى كثيراً فلا يستجاب أجاب الكعبي عنه بأن قال : الدعاء إنما يصح على شرط، ومن دعا كذلك استجيب له، وذلك الشرط هو أن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة وحكمة، ثم سأل نفسه فقال : فما هو أصلح يفعله بلا دعاء، فما الفائدة في الدعاءا وأجاب : عنه من وجهين الأول : أن فيه الفزع والانقطاع إلى الله والثاني : أن هذا أيضاً وارد على الكل، لأنه إن علم أنه يفعله فلا بدّ وأن يفعله، فلا فائدة في الدعاء، وإن علم أنه لا يفعله فإنه ألبتة لا يفعله، فلا فائدة في الدعاء، وكل ما يقولونه ههنا فهو جوابنا، هذا تمام ما ذكره، وعندي فيه وجه آخر وهو أنه قال :﴿ادعونى استجب لَكُمْ﴾ فكل من دعا الله وفي قلبه ذرة من الاعتماد على ماله وجاهه وأقاربه وأصدقائه وجده واجتهاده،


الصفحة التالية
Icon