﴿وَجَعَلَ الظلمات والنور﴾ [ الأنعام : ١ ].
واعلم أنه تعالى لما ذكر ما في الليل والنهار من المصالح والحكم البالغة قال :﴿إِنَّ الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ والمراد أن فضل الله على الخلق كثير جداً ولكنهم لا يشكرونه، واعلم أن ترك الشكر لوجوه : أحدها : أن يعتقد الرجل أن هذه النعم ليست من الله تعالى مثل أن يعتقد أن هذه الأفلاك واجبة الوجود لذواتها وواجبة الدوران لذواتها، فحينئذٍ هذا الرجل لا يعتقد أن هذه النعم من الله وثانيها أن الرجل وإن اعتقد أن كل العالم حصل بتخليق الله وتكونيه إلا أن هذه النعم العظيمة، أعني نعمة تعاقب الليل والنهار لما دامت واستمرت نسيها الإنسان، فإذا ابتلي الإنسان بفقدان شيء منها عرف قدرها مثل أن يتفق لبعض الناس والعياذ بالله أن يحبسه بعض الظلمة في آبار عميقة مظلمة مدة مديدة، فحينئذٍ يعرف ذلك الإنسان قدر نعمة الهواء الصافي وقدر نعمة الضوء، ورأيت بعض الملوك كان يعذب بعض خدمه بأن أمر أقواماً حتى يمنعونه عن الاستناد إلى الجدار، وعن النوم فعظم وقع هذا التعذيب وثالثها : أن الرجل وإن كان عارفاً بمواقع هذه النعم إلا أنه يكون حريصاً على الدنيا محباً للمال والجاه، فإذا فاته المال الكثير والجاه العريض وقع في كفران هذه النعم العظيمة، ولما كان أكثر الخلق هالكين في أحد هذه الأودية الثلاثة التي ذكرناها، لا جرم قال تعالى :﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ﴾ ونظيره قوله تعالى :