وقد قال بعض علمائنا : إن دخول الملك القبور جائز أن يكون تأويله : اطلاعه عليها وعلى أهلها. وأهلها مدركون له عن بعد من غير دخول ولا قرب. ويجوز أن يكون الملك للطافة أجزائه يتولج في خلال المقابر فيتوصل إليهم من غير نبش ويجوز أن ينبشهما ثم يعيدها الله إلى مثل حالها على وجه لا يدركها أهل الدنيا.
ويجوز أن يكون الملك يدخل من تحت قبورهم من مداخل لا يهتدي الإنسان إليها.
وبالجملة : فأحوال المقابر وأهلها على خلاف عادات أهل لدنيا في حياتهم فليس تنقاس أحوال الآخرة على أحوال الدنيا. وهذا مما لا خلاف فيه. ولولا خبر الصادق بذلك لم نعرف شيئاً مما هنالك. فإن قالوا : كل حديث يخالف مقتضى المعقول يقطع بتخطئة ناقله، ونحن نرى المصلوب على صلبه مدة طويلة وهو لا يسأل ولا يحيى وكذلك يشاهد الميت على سريره وهو لا يجيب سائلاً ولا يتحرك ومن افترسه السباع، ونهشه الطيور، وتفرقت أجزاؤه في أجواف الطير، وبطون الحيتان وحواصل الطيور، وأقاصي التخوم، ومدارج الرياح، فكيف تجتمع أجزاؤه ؟ أم كيف تتألف أعضاؤه ؟ وكيف تتصور مساءلة الملكين لمن هذا وصفه ؟ أم كيف يصير القبر على من هذا حاله روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ؟ والجواب عن هذا من وجوه أربعة :.
أحدها : أن الذي جاء بهذا هم الذين جاءوا بالصلوات الخمس وليس لنا طريق إلا ما نقلوه لنا من ذلك.
الثاني : ما ذكره القاضي لسان الأمة وهو : أن المدفونين في القبور يسألون. والذين بقوا على وجه الأرض فإن الله تعالى يحجب المكلفين عما يجري عليهم كما حجبهم عن رؤية الملائكة مع رؤية الأنبياء عليه والسلام لهم. ومن أنكر ذلك فلينكر نزول جبرائيل عليه السلام على الأنبياء عليهم السلام. وقد قال الله تعالى : في وصف الشياطين إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم.
الثالث : قال بعض العلماء : لا يبعد أن ترد الحياة إلى


الصفحة التالية
Icon