وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) ﴾
قد تقدم ذكر الخلاف هل هذه المقالة لموسى أو لمؤمن آل فرعون. والدعاء إلى طاعة الله وعبادته وتوحيده هو الدعاء إلى سبب النجاة فجعله دعاء إلى النجاة اختصاراً واقتضاباً. وكذلك دعاؤهم إياه إلى الكفر واتباع دنيهم : هو دعاء إلى سبب دخول النار، فجعله دعاء إلى النار اختصاراً، ثم بين عليهم ما بين الدعوتين من البون في أن الواحدة شرك وكفر، والأخرى دعوة إلى الإسناد إلى عزة الله وغفرانه.
وقوله :﴿ ما ليس لي به علم ﴾ ليس معناه أني جاهل به، بل معناه العلم بأن الأوثان وفرعون وغيره ليس لهم مدخل في الألوهية، وليس لأحد من البشر علم بوجه من وجوه النظر بأن لهم في الألوهية مدخلاً، بل العلم اليقين بغير ذلك من حدوثهم متحصل، و: ﴿ لا جرم ﴾ مذهب سيبويه والخليل أنها ﴿ لا ﴾ النافية دخلت على ﴿ جرم ﴾، ومعنى :﴿ جرم ﴾ ثبت ووجب، ومن ذلك جرم بمعنى كسب، ومنه قول الشاعر [ أبو اسماء بن الضريبة ] :[ الكامل ]
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة... جرمت فزارة بعدها من أن يغضبوا
أي أوجبت لهم ذلك وثبتته لهم، فكأنه الكلام نفي للكلام المردود عليه ب ﴿ لا ﴾، وإثبات للمستأنف ب ﴿ جرم ﴾ و" أن " على هذا النظر في موضع رفع ب ﴿ جرم ﴾، وكذلك ﴿ أن ﴾ الثانية والثالثة، ومذهب جماعة من أهل اللسان أن ﴿ لا جرم ﴾ بمعنى لا بد ولا محالة ف ﴿ أن ﴾ على هذا النظر في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، أي لا محالة بأن ما. و" ما " بمعنى الذي واقعة على الأصنام وما عبدوه من دون الله.