ولما تسبب عن نصحه هذا لهم والتجائه إلى ملك الملوك حفظه منهم على عظم الخطر، قال تعالى مخبراً أنه صدق ظنه ﴿فوقاه الله﴾ أي جعل له وقاية تجنه منهم بما له سبحانه من الجلال والعظمة والكمال جزاء على تفويضه ﴿سيئات﴾ أي شدائد ﴿ما مكروا﴾ ديناً ودنيا، فنجاه مع موسى عليه السلام تصديقاً لوعده سبحانه بقوله ﴿أنتما ومن اتبعكما الغالبون﴾ [ القصص : ٣٥ ] ولما كان المكر السيء لا يحيق إلا بأهله قال :﴿وحاق﴾ أي نزل محيطاً بعد إحاطة الإغراق ﴿بآل فرعون﴾ أي كلهم فرعون وأتباعه لأجل إصرارهم على الكفر ومكرهم، فالإحاطة بفرعون من باب الأولى وإن لم نقل : أن الآل مشترك بين الشخص والأتباع، لأن العادة جرت أنه لا يوصل إلى جميع أتباع الإنسان إلا بعد إذلاله وأخذه فهو مفهوم موافقة ﴿سوء العذاب﴾ أي العقوبة المانعة من كل مستعذب، ثم بين ذلك بقوله :﴿النار﴾ أي حال كونهم ﴿يُعرضون عليها﴾ أي في البرزخ ﴿غدواً وعشياً﴾ أي غادين ورائحين في وقت استرواحهم بالأكل واستلذاذهم به - هذا دأبهم طول أيام البرزخ، وكان عليهم في هذا العرض زيادة نكد فوق ما ورد عاماً مما روى مالك والشيخان وغيرهم عن أن ابن عمر ـ رضى الله عنهما ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال :" إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " ولعل زيادة النكد أنهم هم المعروضون، فيذهب بهم في الأغلال يساقون لينظروا ما أعد الله لهم، وعامة الناس يقتصر في ذلك على أن يكشف لهم - وهو في محالّهم - عن مقاعدهم، ففي ذلك زيادة إهانة لهم، وهو مثل : عرض الأمير فلاناً على السيف إذا أراد قتله، هذا دأبهم إلى أن تقوم الساعة ﴿ويوم تقوم الساعة﴾ يقال لهم :﴿ادخلوا آل﴾ أي يا آل ﴿فرعون﴾ هو نفسه وأتباعه لأجل اتباعهم له فيما أضلهم به، وجعله نافع وحمزة