ولما كان في غاية الإعجاب من ضلالهم، كان كأنه قيل : هل يضل أحد من الخلق ضلال هؤلاء، فأجيب بقوله :﴿كذلك﴾ أي نعم مثل هذا الضلال البعيد عن الصواب ﴿يضل الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة، عن القصد النافع من حجة وغيرها ﴿الكافرين﴾ أي الذين ستروا مرائي بصائرهم لئلا يتجلى فيها ثم صار لهم ذلك ديدناً.
ولما تم جواب السؤال عن التعجب من هذا الضلال، رجع إلى خطاب الضلال فقال معظماً لما ذكر من جزائهم بأداة البعد وميم الجمع نصاً على تقريع كل منهم :﴿ذلكم﴾ أي الجزاء العظيم المراتب، الصعب المراكب الضخم المواكب ﴿بما كنتم﴾ أي دائماً ﴿تفرحون﴾ أي تبالغون في السرور وتستغرقون فيه وتضعفون عن حمله للإعراض عن العواقب.
ولما كانت الأرض سجناً، فهي في الحقيقة دار الأحزان، حسن قوله :﴿في الأرض﴾ أي ففعلتم فيها ضد ما وضعت له، وزاد ذلك حسناً قوله :﴿بغير الحق﴾ فأشعر أن السرور لا ينبغي إلا إذا كان مع كمال هذه الحقيقة، وهي الثبات دائماً للمفروح به، وذلك لا يكون إلا في الجنة ﴿وبما﴾ أي وبسبب ما ﴿كنتم تمرحون﴾ أي تبالغون في الفرح مع الأشر والبطر والنشاط الموجب الاختيال والتبختر والخفة بعدم احتمال الفرح.
ولما كان السياق لذم الجدال، وكان الجدال إنما يكون عن الكبر، وكان الفرح غير ملازم للكبر، لم يسبب دخول النار عنه، بل جعله كالنتيجة لجميع ما مضى فقال :﴿ادخلوا﴾ أي أيها المكذبون.
ولما كان في النار أنواع من العذاب، دل على تعذيبهم بكل نوع بذكر الأبواب جزاء على ما كانوا يخوضون بجدالهم في كل نوع من أنواع الأباطيل فقال :﴿أبواب جهنم﴾ أي الدركة التي تلقي صاحبها بتكبر وعبوسة وتجهم ﴿خالدين فيها﴾ أي لازمين لما شرعتم فيه بالدخول من الإقامة لزوماً لا براح منها أصلاً.


الصفحة التالية
Icon