قال ابن الأنباري : والخفض على هذا المعنى غير جائز ؛ لأنك إذا قلت زيد في الدار لم يحسن أن تضمر "في" فتقول زيد الدارِ، ولكن الخفض جائز على معنى إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فتخفض السلاسل على النسق على تأويل الأغلال ؛ لأن الأغلال في تأويل الخفض ؛ كما تقول : خاصم عبد الله زيداً العاقلين فتنصب العاقلين.
ويجوز رفعهما ؛ لأن أحدهما إذا خاصم صاحبه فقد خاصمه صاحبه ؛ أنشد الفرّاء :
قد سَالَم الحياتِ مِنه القدَمَا...
الأُفْعُوَانَ والشُّجاعَ الشَّجْعَما
فنصب الأفعوان على الإتباع للحيات إذا سالمت القدم فقد سالمتها القدم.
فمن نصب السلاسل أو خفضها لم يقف عليها.
و"الحميم" المتناهي في الحر.
وقيل : الصديد المغلي.
﴿ ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ ﴾ أي يطرحون فيكونون وقوداً لها ؛ قاله مجاهد.
يقال : سجرت التنور أي أوقدته، وسجرته ملأته ؛ ومنه ﴿ والبحر المسجور ﴾ [ الطور : ٦ ] أي المملوء.
فالمعنى على هذا تملأ بهم النار، وقال الشاعر يصف وعلا :
إِذا شَاءَ طَالَعَ مَسْجُورَةً...
تَرَى حَوْلَها النَّبْعَ والسِّمْسِمَا
أي عيناً مملوءة.
﴿ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله ﴾ وهذا تقريع وتوبيخ.
﴿ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا ﴾ أي هلكوا وذهبوا عنا وتركونا في العذاب ؛ من ضلّ الماءُ في اللبن أي خفي.
وقيل : أي صاروا بحيث لا نجدهم.
﴿ بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً ﴾ أي شيئاً لا يبصر ولا يسمع ولا يضر ولا ينفع.
وليس هذا إنكاراً لعبادة الأصنام، بل هو اعتراف بأن عبادتهم الأصنام كانت باطلة ؛ قال الله تعالى :﴿ كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين ﴾ أي كما فعل بهؤلاء من الإضلال يفعل بكل كافر.
قوله تعالى :﴿ ذَلِكُمْ ﴾ أي ذلكم العذاب ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ ﴾ بالمعاصي يقال لهم ذلك توبيخاً.


الصفحة التالية
Icon