ثم قال بعد ظهور هذه الآيات : ألا تعجب إلى المجادل في آيات اله كيف يصرف عن الجدال فيها ويصير إلى الإيمان بها؟ والظاهر أنها في الفكار المجادلين في رسالة الرسول عليه السلام والكتاب الذي جاء به بدليل قوله :﴿ الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا ﴾، ثم هددهم بقوله :﴿ فسوف تعلمون ﴾، وهذا قول الجمهور.
وقال محمد بن سيرين وغيره : هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمة، ورووا في نحو هذا حديثاً وقالوا : هي في أهل القدر ومن جرى مجراهم، ويلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله :﴿ الذين كذبوا ﴾ كلاماً مستأنفاً في الكفار، ويكون ﴿ الذين كذبوا ﴾ مبتدأ، وخبره :﴿ فسوف يعلمون ﴾.
وأما على الظاهر، فالذين بدل من الذين، أو خبر مبتدأ محذوف، أو منصوباً على الذم، وإذ ظرف لما مضى، فلا يعمل فيه المستقبل، كما لا يقول : سأقوم أمس، فقيل : إذا يقع موقع إذ، وأن موقعها على سبيل المجاز، فيكون إذ هنا بمعنى إذا، وحسن ذلك تيقن وقوع الأمر، وأخرج في صيغة الماضي، وإن كان المعنى على الاستقبال.
قال النخعي : لو أن غلاًّ من أغلال جهنم وضع على جبل، لأ رحضة حتى يبلغ إلى الماء الأسود.
وقرأ : والسلاسل عطفاً على الأغلال، يسحبون مبنياً للمفعول.
وقرأ ابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن علي، وابن وثاب، والمسيء في اختياره : والسلاسل بالنصب على المفعول، يسحبون مبنياً للفاعل، وهو عطف جملة فعلية على جملة اسمية.
وقرأت فرقة منهم ابن عباس : والسلاسل، بجر اللام.
قال ابن عطية : على تقدير، إذ أعناقهم في الأغلال والسلاسل، فعطف على المراد من الكلام لا على ترتيب اللفظ، إذ ترتيبه فيه قلب، وهو على حد قول العرب : أدخلت القلنسوة في رأسي، وفي مصحف أبيّ : وفي السلاسل يسحبون.
وقال الزمخشري : ووجهه أنه لو قيل : إذ أعناقهم في الأغلال، مكان قوله :﴿ إذ الأغلال في أعناقهم ﴾، لكان صحيحاً مستقيماً.


الصفحة التالية
Icon