وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ هُوَ الذى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ ﴾
أيْ في ضمنِ خلقِ آدمَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منه حسبَما مرَّ تحقيقُه مراراً. ﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ أي ثمَّ خلقكُم خلقاً تفصيلياً من نطفة أي منيَ. ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ﴾ أي أطفالاً. والإفراد لإرادة الجنسِ، أو لإرادةِ كلِّ واحدٍ من أفرادِه. ﴿ ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ ﴾ علةٌ ليخرجَكم معطوفةً على علةٍ أُخرى له مناسبةٌ لها كأنَّه قيلَ ثم يُخرجَكُم طِفْلاً لتكبَروا شيئاً فشيئاً ثم لتبلُغوا كمالَكُم في القوةِ والعقلِ وكَذا الكلامُ في قولِه تعالى :﴿ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً ﴾ ويجوزُ عطفُه عَلى لتبلغُوا. وقُرِىءَ شيخاً كقولِه تعالَى طِفْلاً ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ ﴾ أي من قبلِ الشيخوخةِ بعد بلوغِ الأشدِّ أو قبلَه أيضاً. ﴿ وَلِتَبْلُغُواْ ﴾ متعلقٌ بفعلٍ مقدرٍ بعدَهُ أي ولتبلغُوا ﴿ أَجَلاً مُّسَمًّى ﴾ هُو وقتُ الموتِ، أو يومَ القيامةِ يفعلُ ذلكَ ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ ولكي تعقلُوا ما في ذلكَ من فنونِ الحِكَمِ والعِبر ﴿ هُوَ الذى يُحْىِ ﴾ الأمواتَ ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ الأحياءَ أو الذي يفعلُ الإحياءَ والإماتةَ ﴿ فَإِذَا قضى أَمْراً ﴾ أي أرادَ أمراً من الأمورِ ﴿ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ من غيرِ توقفٍ على شيءٍ من الأشياءِ أصلاً وهذا تمثيلٌ لتأثيرِ قُدرتِه تعالى في المقدوراتِ عند تعلقِ إرادتِه بها وتصويرٌ لسرعةِ ترتبِ المكوناتِ على تكوينِه من غيرِ أنْ يكونَ هناكَ أمرٌ ومأمورٌ. والفاءُ الأُولَى للدِلالةِ على أنَّ ما بعدَها من نتائج ما قبلها من اختصاصِ الإحياءِ والإماتةِ به سبحانَه.