ولما كان الإرسال إنما هو في بعض الزمان الماضي وإن كان بلوغ رسالة كل لمن بعده موجبة لانسحاب حكم رسالته إلى مجيء الرسول الذي يقفوه، أثبت الجار لإرادة الحقيقة فقال :( من قبلك ) أي إلى أممهم ليبلغوا عنا ما أمرناهم به :( منهم من قصصنا ) أي بما لنا من الإحاطة ( عليك ) أي أخبارهم وأخبار أممهم ) ومنهم من لم نقصص ( وإن كان لنا العلم التام والقدرة الكاملة ( عليك ) لا أخبارهم ولا أخبار أممهم ولا ذكرناهم لك بأسمائهم ( وما ) أي أرسلناهم والحال أنه ما ( كان لرسول ) أصلاً ( أن يأتي بآية ) أي ملجئة أو غير ذلك مما يجادل فيه قومه أو يسلمون استعجالاً لاتباع قومه له، أو اقتراحاً من قومه عليه أو غير ذلك مما يجادل فيه قومه أو يسلمون له أو ينقادون، وصرف الكلام عن المظهر المشير إلى القهر إلى ما فيه - مع الإهانة - الإكرام فقال :( إلا بإذن الله ) أي بأمره وتمكينه، فإن له الإحاطة بكل شيء، فلا يخرج شيء عن أمره، فإن لم يأذن في ذلك رضوا وسلموا وصبروا واحتبسوا، وإن أذن في شيء من ذلك من عذاب أو آية ملجئة أو غير ذلك جاءهم ما أذن فيه ( فإذا جاء ) وزاد الأمر عظماً لمزيد الخوف والرجاء بالإظهار دون الإضمار فقال :( أمر الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً، وأمره ما توعد به من العذاب عند العناد بعد الإجابة إلى المقترح، ومن القيامة وما فيها، وتكرير الاسم الأعظم لتعظيم المقام باستحضار ما له من صفات الجلال والإكرام، ولثبات ما أراد ولزومه عبر عنه بالقضاء، فقال مشعراً بصيغة المفعول بغاية السهولة :( قُضَي ) أي بأمره على أيسر وجه وأسلهه ( بالحق ) أي الأمر الثابت الذي تقدم الوعد به وحكم بثبوته من إهلاك ناس وإنجاء آخرين أو إيمان قوم وكفر آخرين - وهذا كله هو الذي أجرى سبحانه سنته القديمة بثبوته، واما الفضل من الإمهال والتطول بالنعم فإنما هو قبل الإجابة إلى المقترحات، والدليل على أن هذا من مراد الآية ما


الصفحة التالية
Icon