_@_وقوله : وهي في أي أغرب، إن عنى أياً على الإطلاق فليس بصحيح، لأن المستفيض في النداء أن يؤنث نداء المؤنث لقوله تعالى :
﴿ يا أيتها النفس المطمئنة ﴾ ولا يعلم من يذكرها فيه فيقول : يا أيها المرأة، إلا صاحب كتاب البديع في النحو.
وإن عنى غير المناداة، فكلامه صحيح، فقل تأنيثها في الاستفهام وموصولة، وما في قوله :﴿ فما أغنى ﴾ نافية شرطية واستفهامية في معنى النفي، وما فيما كانوا مصدرية، أو بمعنى الذي، وهي في موضع رفع، والضمير في ﴿ جاءتهم ﴾ عائد على ﴿ الذين من قبلهم ﴾.
وجاء قوله :﴿ من العلم ﴾ على جهة التهكم بهم، أي في الحقيقة لا علم لهم، وإنما لهم خيالات واستبعادات لما جاءت به الرسل، وكانوا يدفعون ما جاءت به الرسل بنحو قولهم :﴿ ولئن رددت إلى ربى لأجدن خيراً منها منقلباً ﴾ أو اعتقدوا أن عندهم علماً يستغنون به عن علم الأنبياء، كما تزعم الفلاسفة.
والدهريون كانوا إذا سمعوا بوحي الله، دفعوه وصغروا علم الأنبياء إلى علمهم.
ولما سمع سقراط، لعنه الله، بموسى، صلوات الله على نبينا وعليه، قيل له : لو هاجرت إليه، فقال : نحن قوم مهذبون، فلا حاجة بنا إلى من يهذبنا.
وعلى هذين القولين تكون الضمائر متناسقة عائدة على مدلول واحد.
وقيل : الضمير في ﴿ فرحوا ﴾، وفي ﴿ بما عندهم ﴾ عائد على الرسل، أي فرحت الرسل بما أوتوا من العلم، وشكروا الله عليه، لما رأوا جهل من أرسلوا إليهم واستهزاءهم بالحق، وعلموا سوء عاقبتهم.
وقيل : الضمير في ﴿ فرحوا ﴾ عائد على الأمم، وفي ﴿ بما عندم ﴾ عائد على الرسل، أي فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء.
وقال الزمخشري : ومنها، أي من الوجوه التي في الآية في قوله :﴿ فرحوا بما عندهم من العلم ﴾، مبالغة في نفي فرحهم بالوحي الموجب لأقصى الفرح والسرور في تهكم بفرط جهلهم وخلوهم من العلم. انتهى.