كثيرة لم يحط بها البشر، ومن قرأ علم التشريح ووقف على ماهيته وشاهد تراكيب الإنسان عرف مغزى قول علي كرم اللّه وجهه :
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
ومن العجيب أن بعض العلماء بالطب مع وقوفهم على علم التشريح ينكرون الإله مع أن المنكر يجب أن يؤمن لما يرى من صنع المبدع في هذا الوجود،
ولكن من يضلل اللّه فماله من هاد "حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ" القرآن المخبر عن ذلك هو "الْحَقُّ" المنزل من عند اللّه العاوي عن كل شائبة "أَ وَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ" يا سيد الرسل الذي أنزل عليك هذا القرآن وجعل فيه بيانا لكل شيء مما كان ويكون "أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" ٥٣ لا يغيب عن علمه ما يقع في جميع مكوناته وإن كل ما يجري فيها يراه ويسمعه وتكون بأمره وإرادته، قال تعالى "أَلا إِنَّهُمْ" قومك يا حبيبي مع ظهور هذه الآيات المثبتة للتوحيد والتنزيه والأمر بالعدل والإحسان، لم يزالوا "فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ" في الآخرة لأنهم ينكرون البعث وسيعلمونه حين يشاهدونه "أَلا إِنَّهُ" ذلك الإله الواحد العظيم القادر على كل شيء "بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ" ٥٤ إحاطة ضافية لعلمه بواطن الأمور وظواهرها، ومن كان كذلك فلا يخفى عليه شيء البتة.
ولعظم شأن معاني هذه الآية رءف فيها أداة التنبيه ليتنبّه القارئ إلى معانيها ويتذكر ويتفكر فيما انطوت عليه هذا.
ومنا قيل إن هذه الآية تنبىء عن أن علوم اللّه تعالى غير متناعيه، قيل ولو لا يلتفت إليه بل إنها تفضي أن علمه محيط بكل شيء من الأشياء، وتقيد أن كل واحد منها مثناه لا كون مجموعها متناهيا، ولا أن علوم اللّه متناهية تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ولا يوجد في القرآن سورة مختومة بهذه اللفظة غير هذه السورة.


الصفحة التالية
Icon