ومن مصارع الغابرين يصور مصرع عاد ومصرع ثمود: فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق، وقالوا: من أشد منا قوة ؟ أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة، وكانوا بآياتنا يجحدون. فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون. وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى، فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون. ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون..
ومن مشاهد القيامة المؤثرة في هذه السورة: يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا ؟ قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء. وهو خلقكم أول مرة، وإليه ترجعون.. ومنها كذلك مشهد الحنق الواضح من المخدوعين على الخادعين:(وقال الذين كفروا: ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس، نجعلهما تحت أقدامنا، ليكونا من الأسفلين !)..
وهكذا تعرض حقائق العقيدة - في السورة - في هذا الحشد من المؤثرات العميقة. ولعل هذا الحشد المنوع من تلك المؤثرات يصف جو السورة، ويصور طابعها، ويرسم ظلالها.. والواقع أن القلب يجد أنه منذ مطلع السورة إلى ختامها أمام مؤثرات وإيقاعات تجول به في ملكوت السماوات والأرض، وفي أغوار النفس، وفي مصارع البشر، وفي عالم القيامة، وتوقع على أوتاره إيقاعات شتى كلها مؤثر عميق..
ويجري سياق السورة بموضوعاتها ومؤثراتها في شوطين اثنين، متماسكي الحلقات..