ثم إنه جل شأنه عزى حبيبه محمد على ما يلاقيه من قومه بقوله جل قوله "ما يُقالُ لَكَ" يا حبيبي مما تراه من الأذى والجفا في القول والفعل "إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ" فلك أسوة بهم فلا تضجر ولا تحزن "إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ" لمن آمن بك منهم ومن غيرهم عما سبق من ذنبه مهما كان "وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ" ٤٢ لمن أصر على التكذيب "وَلَوْ جَعَلْناهُ" ذلك الكتاب المعبر عنه بالذكر "قُرْآناً أَعْجَمِيًّا" يتلى بغير لغة قومك "لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ" بالعربية لفهمناه وآمنا به فكيف تريد أن نؤمن بما لا نفهمه "ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ" كيف يكون ذلك أتهدى أمة عربية بلسان أعجمي لا تعيه كلا، لا يكون ذلك، أي لتذرعوا بالإنكار في هذه الحجة ولصح قولهم (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) الآية ٥ المارة، لأنهم لا يحيطون بمعناه أما وأنه أنزل بلغتهم فلم يبق لهم ما يعتذرون به، فلا يصح قولهم ذلك بأنه أعجمي لا نفهمه.
وفي هذه الآية إشارة على أنه لو نزل بلسان العجم لكان قرآنا فيكون دليلا لأبي حنيفة رحمه اللّه في جواز الصلاة إذا قرأ بالفارسية، وتقدم أن بينا عدم جواز ترجمة القرآن باللغات الأجنبية في الآية ٣ المارة، لأنها لا تحتوي على جميع الحروف العربية، فليس بوسع أعظم عالم باللغة المترجم إليها وباللغة العربية أن يعبر
عن كل كلمة منه بلفظها ومعناها من غير أدنى تغيير فيها بل تعرض المحال، لأن إمكان وجود لغة أجنبية تحتوي على الحروف العربية كلها محال، وإن ما اطلعتما عليه من اللغات التركية والإفرنسية والعبرية والسريانية والكردية والهندية والإنجليزية والألمانية لا تحتوي عليها، وغيرها كذلك، وإمكان التعبير عن بعض كلماته لا يكفي، لأنه لا يجوز أن يترك منه حرف واحد.