"لَيَقُولَنَّ" بلا حياء ولا أدب "هذا لِي" حقي استحقيته بعملي "وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ" التي تخبرنا بها يا محمد "قائِمَةً" واقعة، يريد أنه ليس موقنا بالبعث، وأن أهل هذه الدنيا يحيون حياة ثانية، ثم أقسم الخبيث فقال "وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي" على فرض صحة قولك "إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى " المنزلة الحسنة بالآخرة أيضا كما هي بالدنيا على فرض وجودها، وهذا قياس مغلوط أشبه بقياس أخيه إبليس الذي أشرنا إليه في الآية ١٢ من الأعراف في ج ١، لأن نعم الدنيا لا يستدل بها على نعم الآخرة من حيث حيازتها، لأن الدنيا تملك بالمال والآخرة بالأعمال.
قال تعالى مقسما ومؤكدا "فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا" أمثل هذا القائل أن الأمر ليس كما زعم وأنهم مستحقون الإهانة لا الكرامة "بِما عَمِلُوا" في الدنيا من السوء ثم أقسم ثانيا فقال "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ" ٥٠ شديد لا يطاق في نار جهنم على ما فرط منهم.
قال تعالى "وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى " تباعد بطرا عن شكر المنعم "بِجانِبِهِ" بنفسه تعاظمأ وتكبرا ووضع الجانب مكان النفس، لأن مكان الشيء وجهته لينزل منزلة نفسه، ومنه قول الكتاب في مكاتباتهم إلى جناب وجانب فلان يريدون نفسه وذاته، وعليه قوله تعالى :
(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) الآية ٤٦ من سورة الرحمن ج ٣ أي ذاته، وقول الشاعر :
ذعرت به القطا ونفيت عنه مقام الذنب كالرجل اللعين
وقال أبو عبيد نأى نهض بجانبه وهو عبارة عن التكبر وشموخ الأنف، هذا وقد يعبر عن ذات الشخص بالمقام والمجلس بقصد التعظيم والاحتشام عن التصريح بالاسم ويتركون التصريح لزيادة الاحترام، قال زهير :
فعرض إذا ما جئت بالبان والحمى وإياك أن تنسى فتذكر زينبا
سيكفيك من ذاك المسمى إشارة فدعه، مصونا بالجلال محجبا