ذهب قوم إلى أنه حصل في القرآن من سائر اللغات كقوله ﴿إِسْتَبْرَقٍ﴾ [ الكهف : ٣١ ] و ﴿سِجّيلٍ﴾ [ هود : ٨٢ ] فإنهما فارسيان، وقوله ﴿مشكاة﴾ [ النور : ٣٥ ] فإنها من لغة الحبشة وقوله ﴿قسطاس﴾ [ الإسراء : ٣٥ ] فإنه من لغة الروم والذي يدل على فساد هذا المذهب قوله ﴿قُرْءَاناً عَرَبِيّاً﴾، وقوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ [ إبراهيم : ٤ ].
المسألة الرابعة :
قالت المعتزلة لفظ الإيمان والكفر والصلاة والزكاة والصوم والحج ألفاظ شرعية لا لغوية، والمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مسمياتها اللغوية الأصلية إلى مسميات أخرى، وعندنا أن هذا باطل، وليس للشرع تصرف في هذه الألفاظ عن مسمياتها إلا من وجه واحد، وهو أنه خصص هذه الأسماء بنوع واحد من أنواع مسمياتها مثلاً، الإيمان عبارة عن التصديق فخصصه الشرع بنوع معين من التصديق، والصلاة عبارة عن الدعاء فخصصه الشرع بنوع معين من الدعاء، كذا القول في البواقي ودليلنا على صحة مذهبنا قوله تعالى :﴿قُرْءاناً عَرَبِيّاً﴾، وقوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾.
المسألة الخامسة :
إنما وصف الله القرآن بكونه ﴿عَرَبِيّاً﴾ في معرض المدح والتعظيم وهذا المطلوب لا يتم إلا إذا ثبت أن لغة العرب أفضل اللغات.
واعلم أن هذا المقصود إنما يتم إذا ضبطنا أقسام فضائل اللغات بضابط معلوم، ثم بينا أن تلك الأقسام حاصلة فيه لا في غيره، فنقول لا شك أن الكلام مركب من الكلمات المفردة، وهي مركبة من الحروف، فالكلمة لها مادة وهي الحروف، ولها صورة وهي تلك الهيئة المعينة الحاصلة عند التركيب.


الصفحة التالية
Icon