ولما كان أعظم المراد من الوحي العلم والعمل، وكان رأس العلم التوحيد فعرفه وأمر بالاستقامة فيه، أتبعه رأس العمل وهو ما أنبأ عن الاعتراف بالعجز مع الاجتهاد فقال :( واستغفروه ) أي اطلبوا منه غفران ذنوبكم، وهو محوها عيناً وأثراً حتى لا تعاقبوا عليها ولا تعاتبوا بالندم عليها، والإقلاع عنها حالاً ومآلاً.
واما أمر بالخير، رغب فيه ووهب من ضده، فكان التقدير للترغيب : فالفلاح والفوز لمن فعل ذلك، فعطف عليه ما السياق له فقال :( وويل ) أي وسواة وهلاك ( للمشركين ).
ولما كانت العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادة في أمرين : التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله، وكان أفضل أبواب التعظيم لأمر الله الإقرار بوحدانيته، فكان أخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك، وكان اخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك، وكان أخس الأعمال التي بين العبد وبين الخلق منع ما أوجه الله في الزكاة، وكان معنى الشرك الحكم بأن ما لا شيء له أصلاً وما لا يمكن أن يكون له ملك تام على شيء أصلاً قد شارك من له الكل خلقاً وتصرفاً فيما هو عليه من الملك التام الذي لا شوب فيه، وكانت الزكاة إشراك من له ملك غير تام لمثله في جزء يسير من ماله.
قال ذاماً لمن أبى أن يشارك الخلائق وأشرك بالخالق :( الذين لا يؤتون ) أي أمثالهم من أولاد آدم ) الزكاة ( من المال الذي لا صنع لهم في خلقه، فهو مخلف عن أبيهم آدم، فالقياس يقتضي اشتراكهم كلهم فيه على حد سواء، ولكنا رحمناهم بتخصيص كل واحد منهم بما ملكت يمينه منه بطريقة، فقد حكموا في أمر ربهم بما لا يرضونه لأنفسهم، فإنهم أبوا أن يشركوا ببذل الزكاة بعض أخوانهم في بعض مالهم الذي ملكهم له ضعيف، وأشركوا ما لا يملك شيئاً أصلاً بما لا نفع مع المالك المطلق.