وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾
أي لست بمَلَك بل أنا من بني آدم.
قال الحسن : علمه الله تعالى التواضع.
﴿ يوحى إِلَيَّ ﴾ أي من السماء على أيدي الملائكة ﴿ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ ﴾ ﴿ ف ﴾ آمنوا به و ﴿ فاستقيموا إِلَيْهِ ﴾ أي وجهوا وجوهكم بالدعاء له والمسألة إليه، كما يقول الرجل : استقم إلى منزلك ؛ أي لا تعرج على شيء غير القصد إلى منزلك.
﴿ واستغفروه ﴾ أي من شرككم.
﴿ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة ﴾ قال ابن عباس : لا يشهدون "أن لا إله إلا الله" وهي زكاة الأنفس.
وقال قتادة : لا يقرون بالزكاة أنها واجبة.
وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة.
قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفره مع منع وجوب الزكاة عليه.
وقال الفراء وغيره : كان المشركون ينفقون النفقات، ويسقون الحجيج ويطعمونهم، فحرّموا ذلك على من آمن بمحمد ﷺ، فنزلت فيهم هذه الآية.
﴿ وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ ﴾ فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون.
الزمخشري : فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة؟ قلت : لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته ( واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته ) ألا ترى إلى قوله عز وجل :﴿ وَمَثَلُ الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابتغآء مَرْضَاتِ الله وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٢٦٥ ] أي يثبتون أنفسهم، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة من الدنيا، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم ؛ وأهل الردة بعد رسول الله ﷺ ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا.


الصفحة التالية
Icon