ولما كان بعض من مضى غير مستغرق لجميع الزمان، عبر ب " من " فقال :﴿من قبلهم﴾ أي في الزمان، وقدم الأقوى لتفهم القدرة عليه القدرة على ما دونه من باب الأولى، فإن الإنس كانوا يعدون أنفسهم دون الجن فيعوذون بهم فقال :﴿من الجن والأنس﴾ ثم علل حقوق الشقاء عليهم بقوله منبهاً بالتأكيد على أنهم ينكرون أن تكون القبائح موجبة للخسر ﴿إنهم﴾ أي جميع المذكورين منهم وممن قبلهم :﴿كانوا﴾ أي طبعاً وفعلاً ﴿خاسرين﴾ فعلى العاقل أن يجتهد في اختيار أصحابه وأخدانه وأحبابه، فإن العاقبة فيهم حسنة جسيمة أو قبيحة وخيمة، روى صاحب الفردوس عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :
" إذا أراد الله بعبد شراً قيض له قبل موته شيطاناً فلا يرى حسناً إلا قبحه ولا قبيحاً إلا حسنه عنده ".
ولأحمد وأبي داود والنسائي وأبي يعلى وابن حبان في صحيحه عن عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" إذا أراد الله بوالي خيراً جعل له وزير صدق، إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه، وإن أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه ".
وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة ـ رضى الله عنهما ـ والنسائي عن أبي هريرة وحده ـ رضى الله عنه ـ والبخاري أيضاً عن أبي أيوب رضي الله أن رسول الله ـ ﷺ ـ قال :" ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله تعالى ".
وفي رواية النسائي :" ما من وال إلا وله بطانتان : بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، فمن وقي شرها فقد وقي، وهو إلى من يغلب عليه منهما "، ورواية البخاري عن أبي أيوب نحوها.