فالمرتبة الأولى : دعوة الأنبياء عليهم السلام راجحة على دعوة غيرهم من وجوه أحدها : أنهم جمعوا بين الدعوة بالحجة أولاً، ثم الدعوة بالسيف ثانياً، وقلما اتفق لغيرهم الجمع بين هذين الطريقين وثانيها : أنهم هم المبتدئون بهذه الدعوة، وأما العلماء فإنهم يبنون دعوتهم على دعوة الأنبياء، والشارع في إحداث الأمر الشريف على طريق الابتداء أفضل وثالثها : أن نفوسهم أقوى قوة، وأرواحهم أصفى جوهراً، فكانت تأثيراتها في إحياء القلوب الميتة وإشراق الأرواح الكدرة أكمل، فكانت دعوتهم أفضل ورابعها : أن النفوس على ثلاثة أقسام : ناقصة وكاملة لا تقوى على تكميل الناقصين وكاملة تقوى على تكميل الناقصين فالقسم الأول : العوام والقسم الثاني : هم الأولياء والقسم الثالث : هم الأنبياء، ولهذا السبب قال ﷺ :
" علماء أمتي كأنبياء إسرائيل " وإذا عرفت هذا فنقول : إن نفس الأنبياء حصلت لها مزيتان : الكمال في الذات، والتكميل للغير، فكانت قوتهم على الدعوة أقوى، وكانت درجاتهم أفضل وأكمل، إذا عرفت هذا فنقول : الأنبياء عليهم السلام لهم صفتان : العلم والقدرة، أما العلماء، فهم نواب الأنبياء في العلم، وأما الملوك، فهم نواب الأنبياء في القدرة، والعلم يوجب الإستيلاء على الأرواح، والقدرة توجب الاستيلاء على الأجساد، فالعلماء خلفاء الأنبياء في عالم الأرواح، والملوك خلفاء الأنبياء في عالم الأجساد.
وإذا عرفت هذا ظهر أن أكمل الدرجات في الدعوة إلى الله بعد الأنبياء درجة العلماء، ثم العلماء على ثلاثة أقسام : العلماء بالله، والعلماء بصفات الله، والعلماء بأحكام الله.