ولما افتتحت السورة بأنه أنزل على أحسن الوجوه وأجملها وأعلاها وأبينها وأكملها من التفصيل، والجمع والبيان بهذا اللسان العظيم الشأن، فقالوا فيه ما وقعت هذه التسلية لأجله من قولهم ﴿فلوبنا في أكنة﴾ إلى آخره، وكان ربما قال قائل ؛ لو كان بلسان غير العرب، وأعطى هذا النبي فهمه والقدرة وعلى تبيينه لكان أقوى في الإعجاز وأجدر بالاتباع، أخبر أن الأمر ليس كذلك، لأنهم لم يقولوا : هذا الشك حصل لهم في أمره، بل عناداً، والمعاند لا يرده شيء، فقال على سبيل التأكيد، معلماً بأن الأمر على غير ما ظنه هذا الظان، وقال الأصبهاني : إنه جواب عن قولهم ﴿وقالوا قلوبنا في أكنه ﴾.
والأحسن عندي أن يكون عطفاً على ﴿فصلت آياته قرآناً عربياً﴾ وبناه للمفعول لأنه بلسانهم فلم يحتج إلى تعيين المفصل، فيكون التقدير : فقد جعلناه عربياً معجزاً، وهم أهل العلم باللسان، فأعرضوا عنه وقالوا فيه ما تقدم، ولفت القول عن وصف الإحسان الذي اقتضى أن يكون عربياً إلى مظهر العظمة الذي هو محط إظهار الاقتدار وإنفاذ الكلمة ﴿ولو جعلناه﴾ أي هذا الذكر بما لنا من العظمة والقدرة ﴿قرآناً﴾ أي على ما هو عليه من الجمع ﴿أعجمياً﴾ أي لا يفصح وهو مع ذلك على وجه يناسب عظمتنا ليشهد كل أحد أنه معجز للعجم كما أن معجز للعرب وأعطيناك فهمه والقدرة على إفهامهم إياه ﴿لقالوا﴾ أي هؤلاء المتعنتون فيه كما يقولون في هذا بغياً وتعنتاً :﴿لولا﴾ أي هلا ولم لا ﴿فصلت آياته﴾ أي بينت على طريقة نفهمها بلا كلفة ولا مبين، حال كونه قرآناً عربياً كما قدمنا أول السورة.


الصفحة التالية
Icon