ولما بيّن أن الشمس والقمر محدثان، وهما دليلان على وجود الإله القادر قال :﴿لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ﴾ يعني أنهما عبدان دليلان على وجود الإله، والسجدة عبارة عن نهاية التعظيم فهي لا تليق إلا بمن كان أشرف الموجودات، فقال :﴿لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ﴾ لأنهما عبدان مخلوقان ﴿واسجدوا لِلَّهِ﴾ الخالق القادر الحكيم، والضمير في قوله ﴿خَلَقَهُنَّ﴾ لليل والنهار والقمر، لأن حكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث، يقال للأقلام بريتها وبريتهن، ولما قال :﴿ومّنْ ءاياته﴾ كن في معنى الإناث فقال :﴿خَلَقَهُنَّ﴾ وإنما قال :﴿إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ لأن ناساً كانوا يسجدون للشمس والقمر كالصابئين في عبادتهم الكواكب ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لهما السجود لله فنهوا عن هذه الواسطة وأمروا أن لا يسجدوا إلا لله الذي خلق الأشياء، فإن قيل إذا كان لا بد في الصلاة من قبلة معينة، فلو جعلنا الشمس قبلة معينة عند السجود كان ذلك أولى، قلنا الشمس جوهر مشرق عظيم الرفعة عالي الدرجة، فلو أذن الشرع في جعلها قبلة في الصلوات، فعند اعتياد السجود إلى جانب الشمس ربما غلب على الأوهام أن ذلك السجود للشمس لا لله، فلأجل الخوف من هذا المحذور نهى الشارع الحكيم عن جعل الشمس قبلة للسجود، بخلاف الحجر المعين فإنه ليس فيه ما يوهم الإلهية، فكان المقصود من القبلة حاصلاً والمحذور المذكور زائلاً فكان هذا أولى، واعلم أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن موضع السجود هو قوله ﴿تَعْبُدُونَ﴾ لأجل أن قوله ﴿واسجدوا لِلَّهِ﴾ متصل به، وعند أبي حنيفة هو قوله ﴿وَهُمْ لاَ يَسْئَمُونَ﴾ لأن الكلام إنما يتم عنده.
ثم إنه تعالى لما أمر بالسجود قال بعده ﴿فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ لَهُ بالليل والنهار وَهُمْ لاَ يَسْأمُونَ﴾ وفيه سؤالات :