ثم قال :﴿مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ﴾ وفيه وجوه الأول : ليس أحد منا يشهد بأن لك شريكاً، فالمقصود أنهم في ذلك اليوم يتبرءون من إثبات الشريك لله تعالى الثاني : ما منا من أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم لا يبصرونها في ساعة التوبيخ الثالث : أن قوله ﴿مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ﴾ كلام الأصنام فإن الله يحييها، ثم إنها تقول ما منا من أحد يشهد بصحة ما أضافوا إلينا من الشركة، وعلى هذا التقدير فمعنى أنها لا تنفعهم فكأنهم ضلوا عنهم.
ثم قال :﴿وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مّن مَّحِيصٍ﴾ وهذا ابتداء كلام من الله تعالى يقول إن الكفار ظنوا أولاً ثم أيقنوا أنه لا محيص لهم عن النار والعذاب، ومنهم من قال إنهم ظنوا أولاً أنه لا محيص لهم عن النار ثم أيقنوا ذلك بعده، وهذا بعيد لأن أهل النار يعلمون أن عقابهم دائم، ولما بيّن الله تعالى من حال هؤلاء الكفار أنهم بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله في الدنيا تبرءوا عن تلك الشركاء في الآخرة بين أن الإنسان في جميع الأوقات متبدل الأحوال متغير المنهج، فإن أحس بخير وقدرة انتفخ وتعظم وإن أحسّ ببلاء ومحنة ذبل، كما قيل في المثل : إن هذا كالقرلى، إن رأى خيراً تدلى، وإن رأى شراً تولى، فقال :﴿لاَّ يَسْأمُ الإنسان مِن دُعَاء الخير وَإِن مَّسَّهُ الشر فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ﴾ يعني أنه في حال الإقبال ومجيء المرادات لا ينتهي قط إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها ويطمع بالفوز بها، وفي حال الإدبار والحرمان يصير آيساً قانطاً، فالانتقال من ذلك الرجاء الذي لا آخر له إلى هذا اليأس الكلي يدل على كونه مبتدل الصفة متغير الحال وفي قوله ﴿يئوس قنوط﴾ مبالغة من وجهين أحدهما : من طريق بناء فعول والثاني : من طريق التكرير واليأس من صفة القلب، والقنوط أن يظهر آثار ليأس في الوجه والأحوال الظاهرة.


الصفحة التالية
Icon