وأعلم أن ليس المراد من إقامة الدين هنا الشرائع الأخرى، لقوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) الآية ٤٨ من سورة المائدة، لذلك فإن ما يعود المرسل الأول يكون بمقتضى شرائعهم، وما يعود لنبينا محمد وأمته يكون بحسب ما أنزل اللّه عليه وشرعه على لسانه لأن شريعته ناسخة لما قبلها وباقية إلى الأبد وصالحة لكل زمان، ولهذا ختم بها جميع الشرائع كما ختم بصاحبها باب النبوة، إذ بلغت الكمال اللائق، ولا يصلح الكون إلا بتطبيقها، فعلى أولي الأمر السهر عليها والعمل بها ليتم لهم الأمر ويستتب الأمن، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) الآية ٣ من سورة المائدة في ج ٣، وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ) الآية ٨٥ من آل عمران في ج ٣، فيا أيها الناس أرضوا بما رضيه اللّه لكم، واعملوا به، لأن العمل بغيره لا يقبله اللّه وتكون عاقبته الخسران "كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ" من رفض عبادة الأوثان ولم يعظم عليهم رفض عبادة الرحمن، لهذا فإنهم ليسوا بأهل لأن يختارهم اللّه لإقامة دينه "اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ" من عباده الصالحين لذلك الدين القويم "وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ"
١٣ لجنابه ويرجعه عن خطأه لصوابه.