وعلى هذا فيجب على كل مؤمن احترامهم وتعظيمهم والقيام بحقوقهم وقضاء مصالحهم وعدم النظر إلى بعض هفواتهم، فإن غصن الشجرة منها وإن مال، والعبرة بالخاتمة نسأل اللّه حسنها، قال تعالى "وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً" مضاعفا "إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" ٢٣ للمحبين الطائعين "أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً" بما جاء به من الكتاب وقد كذبوا "فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ" فينسيك القرآن أو يجعلك من المختوم على قلوبهم لو كذبت علينا يا محمد، لأنه لا يجترئ على افتراء الكذب علينا إلا من كان كذابا مثل بعض قومك، وهذا تعريض حسن بأنهم هم المفترون المطبوع على قلوبهم، لأن الكلام جاء بمثابة التعليل لقولهم، وقد أتى بأن بدل إذا مع أن عدم مشيئته تعالى مقطوع به إرخاء للعنان ليفهموا بأنه لو كان محمد نفسه فعل ذلك لختم على قلبه، وهو معصوم بعصمة اللّه محال عليه أن يقع منه شيء يغضبه، فكيف بغيره "وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ" وهذا تأكيد بأن ما يقوله
محمد صلّى اللّه عليه وسلم ليس بمفترى، وكيف يكون مفترى ومن عادته تعالى أن يمحق الباطل "وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ" المنزلة على رسوله بطريق الوحي "إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ" ٢٤ ودخائلها وخفيات الأمور وبواطنها فلا يخفى عليه شيء مما يحوك في صدورهم وما هو قار في قلب محمد.
وهذه الآية تدل دلالة تامة على تنزيهه من الافتراء وطهارة ما هو ثابت في خلده عن أن يصره بشيء من ذلك.
وقال بعض المفسرين في هذه الآية إن يشأ يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم، وهو حسن ولكن ما جرينا عليه أحسن وأوفى بالمرام وأنسب بالمقام وأليق لسياق الكلام، وقد مشى عليه جهابذة من العلماء، قال ابن عباس رضي اللّه عنهما لما نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً)