هذا، واعلم أن التوبة واجبة في كل ذنب، وشروطها أن يقلع عن المعصية، وأن يندم على فعلها، وأن يعزم على أن لا يعود أبدا "فإن فقد أحدها لا تصح، وهذا فيما يتعلق بالذنوب التي بين العبد وربه، أما إذا كانت بين الناس يزبد عليها شرط رابع وهو الاستحلال من صاحبها وإبراء ذلك من كل حق، مثلا إذا كان غصب مالا من أحد فيجب ردّه اليه أو مسامحته من قبله، وإن قولا أو فعلا فبالمسامحة والعفو من قبله، وإن لم يعين له ما قال وما فعل إذ قد يكون مما لا يقال خشية الفتنة فيكون الإفشاء أشد ضررا من الذنب.
وليعلم أن مصائب الدنيا لا تختص بواحد دون آخر فيشترك فيها الصديق والزنديق، إلا ان المؤمن أكثر مصابا من غيره، ولهذا قال صلّى اللّه عليه وسلم : خص البلاء بالأنبياء ثم الأمثل فالأمثل.
أو ان أكثره في هؤلاء لأنه لا يتعداهم تدبر.
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول : واللّه اني لأستغفر اللّه وأتوب اليه في اليوم أكثر من مائة مرة، وفي رواية للغزالي انه صلّى اللّه عليه وسلم قال إنه ليغان على قلبي حتى أستغفر اللّه في اليوم والليلة سبعين مرة، وذلك لترقيه سبعين مقاما عما كان فيه حيث يرى دائما بعدا بين حالته الحاضرة والماضية بسبعين درجة، ولهذا قيل حسنات الأبرار سيّئات المقربين، لأن الأبرار إذا وصلوا إلى درجة المقربين رأوا أنفسهم مقصرين، وان عملهم الأول يحتاج إلى توبة واستغفار.
وروى مسلم عن الأعز بن يسار قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : يا أيها الناس توبوا إلى اللّه جميعا، فاني أتوب إليه في اليوم مائة مرة.


الصفحة التالية
Icon