(وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) الآية ١٣٤ من آل عمران في ج ٣، ثانيا "وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ" لما دعاهم إلى الإيمان به "وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ" إذا أرادوا عمل شيء يهمّ المجتمع تذاكروا فيه فيما بينهم لا يستبدون برأيهم، فقد ورد : ما تشاور قوم إلا هدوا لما فيه رشدهم، "وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ" ٣٨ في سبيل الخير ووجوه البر.
واعلم أن المشورة هي استخراج الرأي بمراجعة الناس بعضهم إلى بعض، فتحصل من تصادم الآراء واحتكاك الأقوال النتيجة المرضية التي يجمع عليها للتشاورون أو أكثرهم، كما تحصل النار من قدح الحجر بعضه ببعض أو بالزناد.
وتشير الآية إلى مدح المشاورة والمتشاورين، وقد جاء في الخبر : ما خاب من استشار ولا ندم من استخار.
أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي اللّه عنهما عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : من أراد أمرا فشاور فيه وقضى هدي لأرشد الأمور.
وأخرج عبد بن حميد والبخاري في الأدب وابن المنذر عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا وأرشد أمرهم، ثم تلا هذه الآية.
وقد كانت الشورى بين النبي صلّى اللّه عليه وسلم وأصحابه فيما يتعلق بمصالح الحروب، وكذا بين الأصحاب رضي اللّه عنهم بعده، وكانت بينهم في الأحكام كقتال أهل الردة وميراث الجد وعدد حد الخمر وغير ذلك مما لم يرد فيه نص شرعي، لأن
الشورى تكون إذا لم يكن نص، ولهذا أتت القاعدة الشرعية (لا اجتهاد في مورد النص) هذا في الأحكام والحدود، أما في الأمور الإدارية والسياسية والتي مصدرها العرف والعادة فيؤخذ بما يقر عليه رأي الجماعة، لأن الأمة لا تجمع على ضلالة.
وفيما يتعلق بالحروب لا بأس من اتخاذ ما لم يتخذه العدو، لأن الحرب خدعة، ولذا جاز فيه الكذب على العدو.