خامسا قال تعالى "وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ" لنفسه بأن قابل الاعتداء بمثله لأن نفسه لم تسمح بالعفو وليس من أولي التحمل ولا التمدح "فَأُولئِكَ" الآخذين تارهم ذيّا عن كرامتهم وحفظا لعزّهم "ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ" ٤١ يؤاخذون به لأنهم أخذوا بالعزيمة وفعلوا ما خول لهم فلا عقاب عليهم ولا عتاب ولا عيب عليهم "إِنَّمَا السَّبِيلُ" الطريق الموجب للعقوبة يكون "عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ" مبدئيا بلا سبب "وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ" يفسدون فيها ويتكبرون على أهلها ويعملون المعاصي ويطفون على الناس "بِغَيْرِ الْحَقِّ" تجبرا وأنفة وأنانية بقصد التعاظم عليهم "أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ" ٤٢ في الآخرة غير الذي يبتليهم اللّه به في الدنيا مما لم يعف عنه، إذ قد يسلط عليهم من هو أظلم منهم فينتقم لذلك المظلوم.
وقد جاء في الخبر : الظالم سيفى انتقم به وأنتقم منه.
قال تعالى في وصف الصنف السادس وهو أحسنهم "وَلَمَنْ صَبَرَ" على ما نابه من الغير "وَغَفَرَ" له تعديه عليه فضلا عن أنه لم يقابله به ولم يؤنبه عليه ولم يعاتبه به أيضا مع قدرته على الانتقام "إِنَّ ذلِكَ" الصبر على الأذى
مع المغفرة عمل مبرور.
ولهذا أشار إليه بالصبر إعلاما بحسنه وتعاظمه على النفس إذ قل أن تجد من يتخلق بهذه الأخلاق الحميدة غير الأولياء وقليل ما هم، ولهذا أشار تعالى بجليل ثوابه وكبير أجره وجميل عمله عنده بقوله عزّ قوله "لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ٤٣ التي أمر اللّه تعالى بها خلّص عباده لأن الصبر على المكاره من خصال الأنبياء والغفران مع القدرة من أفعال العظماء وهاتان الخصلتان من شأن أولي العزم.


الصفحة التالية
Icon