ثم وصف تعالى حال الجهلة الكاذبين بها، فهم لذلك يستعجلون بها، أي يطلبون تعجيلها ليبين العجز ممن يحققها، فالمصدق بها مشفق خائف، والمكذب مستعجل مقيم لحجته على تكذيبه بذلك المستعجل به. ثم استفتح الإخبار عن الممارين في الساعة بأنهم في ضلال قد بعد بهم، فرجوعهم عنه صعب متعذر، وفي هذا الاستفتاح مبالغة وتأكيد وتهيئة لنفس السامع، ثم رجى تبارك وتعالى عباده بقوله :﴿ الله لطيف بعباده ﴾، و: ﴿ لطيف ﴾ هنا بمعنى : رفيق متحف، والعباد هنا : المؤمنون ومن سبق له الخلود في الجنة، وذلك أن الأعمال بخواتمها، ولا لطف إلا ما آل إلى الرحمة، وأما الإنعام على الكافرين في الدنيا فليس بلطف بهم، بل هو إملاء واستدراج. وقال الجنيد : لطف بأوليائه حتى عرفوه ولو لطف بالكفار لما جحدوه، وقيل :﴿ لطيف ﴾ معناه في أن نشر عنهم المناقب، وستر عليهم المثالب. وقيل هو الذي لا يخاف إلا عدله، ولا يرجى إلا فضله.
وقوله :﴿ من كان يريد ﴾ معناه : إرادة مستعد عامل عارف، لا إرادة متمن لم يدر نفسه. والحرث في هذه الآية : عبارة عن السعي والتكسب والإعداد.
ولما كان حرث الأرض أصلاً من أصول المكاسب استعير لكل متكسب، ومنه قول ابن عمر : احرث لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
وقوله تعالى :﴿ نزد في حرثه ﴾ وعد منتجز.
وقوله في :﴿ حرث الدنيا نؤته منها ﴾ معناه : ما شئنا ولمن شئنا، فرب ممتحن مضيق عليه حريص على حرث الدنيا مريد له لا يحس بغيره، نعوذ بالله من ذلك، وهذا الذي لا يعقل غير الدنيا هو الذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة.
وقرأ سلام :" نؤتهُ " برفع الهاء وهي لغة لأهل الحجاز، ومثله قراءتهم :﴿ فخسفنا به وبداره الأرض ﴾ [ القصص : ٨١ ] برفع الهاء فيهما. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon