ولما كان مفعول ﴿تنذر﴾ الثاني على ما هدى إليه السياق ما عذبت به الأمم السالفة والقرون الماضية حين تمادى بهم الكفر وغلب عليهم الظلم في اتخاذهم أولياء من دون الله، عطف عليه :﴿وتنذر﴾ أي أم القرى ومن حولها مع عذاب الأمم في الدنيا ﴿يوم الجمع﴾ أي لجميع الخلائق ببعثهم من الموت، حذف المفعول الأول من الشق الثاني، والمفعول الثاني من الأول، فالآية من الاحتباك : ذكر المنذرين أولاً دلالة على إرادتها ثانياً، وذكر المنذر به وهو يوم الجمع ثانياً دلالة على المنذر به من عذاب الأمم أولاً، ليذهب به الوهم في المحذوف كل مذهب، فيكون أهول، وذكر هذا المذكور أفخم وأوجل.
ولما كان الإنذار - وهو الإعلام بموضع المخافة - تارة يكون عما لا علم به، وهو الأغلب، وتارة عما وقع العمل به ثم خالف المنذر به علمه فعمل أعمال من لا علم له به، نبه على أنه هذا من القسم الثاني بقوله في جملة حالية :﴿لا ريب فيه﴾ أي لأنه قد ركز في فطرة كل أحد أن الحاكم إذا استعمل عبيده في شيء ثم تظالموا فلا بد له بما تقتضيه السياسة من جمعهم لينصف بينهم وإلا عد سفيهاً، فما ظنك بأحكم الحاكمين.
ولما تشوف السامع إلى ما يفعل في جمعهم، وكان الثقلان لما طبعوا عليه من النقصان أهل فرقة وطغيان، ذكر نهايته معبراً بما هو من الفرقة بقوله مسوغاً الابتداء بالنكرة للتفصيل أو تقرير الوصف :﴿فريق﴾ أي من المجموعين أهل فرقة تداركهم الله بأن جعلهم أهل جمع ﴿في الجنة﴾ فصلاً منه وهم الذين قبلوا الإنذار وبالغوا في الحذار ﴿وفريق﴾ أي منهم خذلهم الله ووكلهم إلى أنفسهم فزادوا في الفرقة ﴿في السعير﴾ عدلاً منه، قال القشيري : كما أنهم في الدنيا فريقان : فريق في درجات الطاعة وحلاوات العبادات، وفريق في ظلمات الشرك وعقوبات الجحد والشك، فلذلك غداهم فريقان : فريق هم أهل اللقاء، وفريق هم أهل البلاء والشقاء.


الصفحة التالية
Icon