وقوله تعالى :﴿ فإن يشأ الله يختم ﴾ معناه في قول قتادة وفرقة من المفسرين : ينسيك القرآن، والمراد الرد على مقالة الكفار وبيان إبطالها، وذلك كأنه يقول : وكيف يصح أن تكون مفترياً وأنت من الله بمرأى ومسمع، وهو قادر لو شاء على أن يختم على قلبك فلا تعقل ولا تنطق ولا يستمر افتراؤك، فمقصد اللفظ هذا المعنى وحذف ما يدل عليه الظاهر اختصاراً واقتصاراً. وقال مجاهد في كتاب الثعلبي وغيره، المعنى :﴿ فإن يشأ الله يختم على قلبك ﴾ بالصبر لأذى الكفار ويربط عليه بالجلد، فهذا تأويل لا يتضمن الرد على مقالتهم.
وقوله تعالى :﴿ ويمح ﴾ فعل مستقبل خبر من الله أنه يمحو الباطل ولا بد إما في الدنيا وإما في الآخرة، وهذا بحسب نازلة. وكتبت ﴿ يمح ﴾ في المصحف بحاء مرسلة كما كتبوا :﴿ ويدع الإنسان ﴾ [ الإسراء : ١١ ] إلى غير ذلك مما ذهبوا فيه إلى الحذف والاختصار.
وقوله :﴿ بكلماته ﴾ معناه : بما سبق في قديم علمه وإرادته من كون الأشياء بالكلمات المعاني القائمة التي لا تبديل لها.
وقوله تعالى :﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾ خبر مضمنه وعيد. ثم ذكر النعمة في تفضله بقبول التوبة عن عباده، وقبول التوبة فيما يستأنف العبد من زمنه وأعماله مقطوع به بهذه الآية، وأما ما سلف من أعماله فينقسم : فأما التوبة من الكفر فماحية كل ما تقدمها من مظالم العباد الفانية، وأما التوبة من المعاصي فلأهل السنة قولان، هل تذهب المعاصي السالفة للعبد بينه وبين خالقه؟ فقالت فرقة : هي مذهبة لها، وقالت فرقة : هي في مشيئة الله تعالى، وأجمعوا على أنها لا تذهب مظالم العباد.