ثم قال تعالى :﴿إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الريح فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ﴾ قرأ أبو عمرو والجمهور : بهمزة ﴿إِن يَشَأْ﴾ لأن سكون الهمزة علامة للجزم، وعن ورش عن نافع بلا همزة، وقرأ نافع وحده ﴿يُسْكِنِ الرياح﴾ على الجمع، والباقون ﴿الريح﴾ على الواحد، قال صاحب "الكشاف" : قرىء ﴿يظللن﴾ بفتح اللام وكسرها من ظل يظل ويظل، وقوله تعالى :﴿رَوَاكِدَ﴾ أي رواتب، أي لا تجري على ظهره، أي على ظهر البحر ﴿إِنَّ فِى ذلك لأيات لّكُلّ صَبَّارٍ﴾ على بلاء الله ﴿شَكُورٍ﴾ لنعمائه، والمقصود التنبيه، على أن المؤمن يجب أن لا يكون غافلاً عن دلائل معرفة الله ألبتة، لأنه لا بد وأن يكون إما في البلاء، وإما في الآلاء، فإن كان في البلاء كان من الصابرين، وإن كان من النعماء كان من الشاكرين، وعلى هذا التقدير فإنه لا يكون ألبتة من الغافلين.
ثم قال تعالى :﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ يعني أو يهلكهن، يقال أوبقه، أي أهلكه، ويقال للمجرم أوبقته ذنوبه، أي أهلكته، والمعنى أنه تعالى إن شاء ابتلى المسافرين في البحر بإحدى بليتين : إما أن يسكن الريح فتركد الجواري على متن البحر وتقف، وإما أن يرسل الرياح عاصفة فيها فيهلكن بسبب الإغراق، وعلى هذا التقدير فقوله ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ﴾ معطوف على قوله ﴿يُسْكِنِ﴾ لأن التقدير إن يشأ يسكن الريح فيركدن، أو يعصفها فيغرقن بعصفها، وقوله ﴿وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ معناه إن يشأ يهلك ناساً وينج ناساً عن طريق العفو عنهم، فإن قيل فما معنى إدخال العفو في حكم الإيباق حيث جعل مجزوماً مثله، قلنا معناه إن يشأ يهلك ناساً وينج ناساً على طريق العفو عنهم، وأما من قرأ ﴿ويعفو﴾ فقد استأنف الكلام.