وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام ﴾
أي ومن علاماته الدالة على قدرته السفنُ الجارية في البحر كأنها من عظمها أعلام.
والأعلام : الجبال، وواحد الجواري جارية، قال الله تعالى :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ [ الحاقة : ١١ ].
سُمّيت جارية لأنها تجري في الماء.
والجارية : هي المرأة الشابة ؛ سُميت بذلك لأنها يجري فيها ماء الشباب.
وقال مجاهد : الأعلام القصور، واحدها علم ؛ ذكره الثعلبي.
وذكر الماوَرْدي عنه أنها الجبال.
وقال الخليل : كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم.
قالت الخنساء ترثي أخاها صخراً :
وإنّ صخراً لتأتمّ الهُداة به...
كأنه علَمٌ في رأسه نار
"إِن يشَأْ يُسْكِنِ الرِّيَاحَ"كذا قرأه أهل المدينة "الرِّيَاح" بالجمع.
﴿ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ على ظَهْرِهِ ﴾ أي فتبقى السفن سواكن على ظهر البحر لا تجري.
رَكَد الماء ركوداً سكن.
وكذلك الريح والسفينة، والشمس إذا قام قائم الظهيرة.
وكّل ثابت في مكان فهو راكد.
وركد الميزان استوى.
ورَكد القوم هَدءوا.
والمراكد : المواضع التي يَرْكُد فيها الإنسان وغيره.
وقرأ قتادة "فَيَظْلِلْنَ" بكسر اللام الأولى على أن يكون لغة، مثلُ ضَلِلت أضِل.
وفتح اللام وهي اللغة المشهورة.
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ ﴾ أي دلالات وعلامات ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي صبار على البَلْوَى شكور على النعماء.
قال قُطْرُب : نعم العبد الصبار الشكور، الذي إذا أعطِي شكر وإذا ابتلي صبر.
قال عَوْن بن عبد الله : فكم من مُنْعَم عليه غير شاكر، وكم من مبتلى غير صابر.
قوله تعالى :﴿ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا ﴾ أي وإن يشأ يجعل الرياح عواصف فيوبق السفن ؛ أي يغرقهن بذنوب أهلها.
وقيل : يوبق أهل السفن.
﴿ وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ ﴾ من أهلها فلا يغرقهم معها ؛ حكاه الماوردي.


الصفحة التالية
Icon