وقيل :"وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" أي ويتجاوز عن كثير من الذنوب فينجيهم الله من الهلاك.
قال القُشَيرِيّ : والقراءة الفاشية "وَيَعْفُ" بالجزم، وفيها إشكال ؛ لأن المعنى : إن يشأ يسكن الريح فتبقى تلك السفن رواكد ويهلكها بذنوب أهلها، فلا يحسن عطف "يَعْفُ" على هذا لأنه يصير المعنى : إن يشأ يعف، وليس المعنى ذلك بل المعنى الإخبار عن العفو من غير شرط المشيئة، فهو إذاً عطف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى.
وقد قرأ قوم "ويعفو" بالرفع، وهي جيدة في المعنى.
﴿ وَيَعْلَمَ الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾ يعني الكفار ؛ أي إذا توسطوا البحر وغشيتهم الرياح من كل مكان أو بقيت السفن رواكد علموا أنه لا ملجأ لهم سوى الله، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم فيخلصون له العبادة.
وقد مضى هذا المعنى في غير موضع، ومضى القول في ركوب البحر في "البقرة" وغيرها بما يغني عن إعادته.
وقرأ نافع وابن عامر "وَيَعْلَمُ" بالرفع، الباقون بالنصب.
فالرفع على الاستئناف بعد الشرط والجزاء ؛ كقوله في سورة التوبة :﴿ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ﴾ [ التوبة : ١٤ ] ثم قال :﴿ وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ ﴾ [ التوبة : ١٥ ] رفعاً.
ونظيره في الكلام : إن تأتني آتك وينطلقُ عبد الله.
أو على أنه خبر ابتداء محذوف.
والنصب على الصرف ؛ كقوله تعالى :﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصابرين ﴾ [ آل عمران : ١٤٢ ] صرف من حال الجزم إلى النصب استخفافاً كراهيةً لتوالي الجزم ؛ كقول النابغة :
فإن يَهْلِك أبو قابوسَ يهلِكْ...
ربيعُ الناس والشهرُ الحرامُ
ويُمْسِكْ بعده بذِناب عَيْشٍ...
أَجَبِّ الظَّهْرِ ليس له سَنام
وهذا معنى قول الفرّاء، قال : ولو جزم "ويعلم" جاز.
وقال الزجاج : نصب على إضمار "أن" لأن قبلها جزماً ؛ تقول : ما تصنعْ أصنعْ مثله وأكرمَك.


الصفحة التالية
Icon