ولما كان هذا عاماً لكل خير دعا إليه سبحانه، خص أعظم عبادات البدن، وزاد في عظمتها بالتعبير بالإقامة فقال :﴿وأقاموا﴾ أي بما لهم من القوة ﴿الصلاة﴾ فأفهم ذلك مع اللام أنهم أوجدوا صورتها محمولة بروحها على وجه يقتضي ثبوتها دائماً.
ولما كانت الاستجابة توجب للاتحاد القلوب بالإيمان الموجب للاتحاد في الأقوال والأفعال، والصلاة توجب الاتحاد بالأبدان، ذكر الاتحاد بالأقوال الناشىء عنه عند أولي الكمال الاتحاد في الأفعال، فقال معبراً بالاسمية حثاً على أن جعلوا ذلك لهم خلقاً ثابتاً لا ينفك :﴿وأمرهم﴾ أي كل ما ينوبهم مما يحوجهم إلى تدبير ﴿شورى﴾ أي يتشاورون فيه مشاورة عظيمة مبالغين مما لهم من قوة الباطن وصفائه في الإخلاص والنصح، من الشور وهو العرض والإظهار ﴿بينهم﴾ أي بحيث إنهم لا فرق في حال المشاورة بين كبير منهم وصغير بل كل منها يصغي إلى كلام الآخر وينظر في صحته وسقمه بتنزيله على أصول الشرع وفروعه، فلا يستبدل أحد منهم برأي لدوام اتهامه لرأيه لتحققه نقصه بما له من غزارة العلم وصفاء الفهم ولا يعجلون في شيء بل صار التأبي لهم خلقاً، وسوق المشورة هذا السياق دال على عظيم جدواها وجلالة نفعها قال الحسن رحمه الله : ما تشاور قوم إلا هدوا لأرشد أمرهم - على أنه روى الطبراني في الصغير والأوسط لكن بسند ضعيف عن أنس ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد " وروى في الأوسط عن ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ أن النبي ـ ﷺ ـ قال :" من أراد أمراً فشاور فيه أمرأ مسلماً وفقه الله لأرشد أمره ".


الصفحة التالية
Icon