وأما معنى الآية فاختلف الناس فيه، فقالت فرقة : هي إخبار من الله تعالى بأن الرزايا والمصائب في الدنيا إنما هي مجازاة من الله تعالى على ذنوب المرء وخطاياه، وأن الله تعالى يعفو عن كثير فلا يعاقب عليه بمصيبة، وقال النبي ﷺ :" لا يصيب ابن آدم خدش عود أو عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو عنه أكثر " وقال عمران بن حصين وقد سئل عن مرضه إن أحبه إلي أحبه إلى الله، وهذا بما كسبت يداي، وعفو ربي كثير. وقال مرة الهمداني : رأيت على ظهر كف شريح قرحة فقلت ما هذا؟ قال هذا بما كسبت يدي ﴿ ويعفو عن كثير ﴾، وقيل لأبي سليمان الداراني : ما بال الفضلاء لا يلومون من أساء إليهم؟ فقال لأنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي ابتلاهم بذنوبهم. وروي عن علي بن أبي طالب عن النبي ﷺ أنه قال :" إن الله أكرم من أن يثني على عبده العقوبة إذا أصابته في الدنيا بما كسبت يداه ". وقال الحسن بن أبي الحسن، معنى الآية في الحدود : أي ما أصابكم من حد من حدود الله، وتلك مصائب تنزل بشخص الإنسان ونفسه، فإنما هي بكسب أيديكم ﴿ ويعفو عن كثير ﴾، فستره على العبد حتى لا يحد عليه. ثم أخبر عن قصور ابن آدم وضعفه وأنه في قبضة القدرة، لا يعجز طلب ربه، ولا يمكنه الفرار منه و﴿ الجواري ﴾ جمع جارية، وهي السفينة.
وقرأ :" الجواري " بالياء نافع وعاصم وأبو عمرو وأبو جعفر وشيبة، ومنهم من أثبتها في الوصل ووقف على الراء. وقرأ أيضاً عاصم بحذف الياء في وصل ووقف. وقال أبو حاتم : نحن نثبتها في كل حال.
و: " الأعلام " الجبال، ومنه قول الخنساء :[ البسيط ]
وإن صخراً لتأتم الهداة به... كأنه علم في رأسه نار
ومنه المثل : إذا قطعن علماً بدا علم فجري السفن في الماء آية عظيمة، وتسخير الريح لذلك نعمة منه تعالى، وهو تعالى لو شاء أن يديم سكون الريح عنها لركدت أي أقامت وقرت ولم يتم منها غرض.


الصفحة التالية
Icon